يزدي شير ميري بوتان الأمير يزدان شير الرابع الآزيزي |
الأمير يزدان شير أو يزدين شير الرابع بن الأمير سيف الدين الثاني بن الأمير منصور بن محمد بن شرف الآزيزي. (يزدان شير): انه اسم كوردي يتألف من كلمتين (يزدان: الإله و شير: الأسد) أي: (أسد الله). ولد عام 1830م في الجزيرة عام تولى والده الأمير سيف الدين الحكم في إمارة بوتان. وله أخ أسمه منصور الثاني ولد عام (1832- ؟)م. و ورد اسم أخ ثالث (عمر) في كتاب خالفين (الصراع على كردستان) ولكن ليس هنالك مرجع عائلي حوله حسب ما أكده لي الأمير محمد سليم طاهر حفيد الأمير يزدان شير .
وحسب وثائق السجل العام البريطاني، فإن زوجة يزدان شير هي ابنة أخ زوجة شاه ايران (محمد شاه 1834-1848)م. وأنجب منها ولدين محمد طاهر (1850-1889)م وعزيز. محمد طاهر تزوج أولاً من نفيسة ابنة بدرخان ولم تنجب منه أولاداً. ثم تزوج ثانية رقية ابنة بدرخان. عين قائد مقاماً في السلطة وإربد في (الأردن)، ودرعا، والقنيطرة خلال الأعوام 1879-1889م.
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر استطاعت الدولة العثمانية إنهاء حكم الأمراء الكورد من خلال الحملات العسكرية على الإمارات الكردية القائمة منذ عدة قرون، ولم تكتف السلطات العثمانية بالقضاء على الإمارات الكردية بل قامت بإبعاد الأمراء الكورد وعائلاتهم إلى مناطق بعيدة عن كوردستان لمنع الكورد من القيام بأية ثورات في المستقبل.
أدت السياسة العثمانية الجديدة والتي استهدفت إعادة السيطرة المركزية على مختلف مناطق الإمبراطورية ومنها كوردستان إلى زيادة تأثير الإدارات العثمانية والموظفين الأتراك على كردستان، من أجل التحكم بإدارة واقتصاد كردستان .
قامت القوات العثمانية بشن هجوم على المناطق الكردية في الثلاثينات والأربعينات من القرن التاسع عشر وقضت على كل الإدارات والإمارات الكردية التي أسسها أمراء الأكراد، وعينت بدلاً عنها إدارات عثمانية تفرض الضرائب الباهظة على السكان وآخر إمارة هي إمارة بوتان في عهد الأمير بدرخان بك.
لكن الانتكاسات المؤقتة لم تقض على أحلام وطموحات الأكراد والتطلع إلى الحرية، وهذا ما يؤكده نضالهم اللاحق ضد السلطات العثمانية وخصوصاً في انتفاضة الأمير يزدان شير.
بعد القضاء على إمارة بدرخان بك في عام 1847م، استلم متصرف عثماني إدارة شؤون جزيرة بوتان لمدة عامين، وكما قلنا سابقاً كان يزدان شير قد فرّ من السجن بشهرين ونصف من جزيرة بوتان قاصداً الموصل قبل الحرب على بدرخان بك وبقي هناك عامين تحت المراقبة العثمانية.
لم تتمتع الإمبراطورية العثمانية بأي ثقة من المناطق الكردية، فالمذابح الأخيرة التي قامت بها السلطات العثمانية وخداع بدرخان مما جعل السكان لا يثقون بالباب العالي، وبعد أن تغيرت الأوضاع السياسية وظروف أحوال الحرب مع روسيا، التجأت القوات العثمانية مرة أخرى إلى المناطق الكردية تشن هجوماً لفرض الضرائب الباهظة مرة أخرى لتعوّض خسائرها في الحرب الروسية بعد تدهور الاقتصاد العام وتفشي الرشوة والسرقات والنهب والسلب بين الموظفين الإداريين وزيادة الفقر والحرمان بين الناس، في الوقت الذي كانت بريطانيا تساند الحكومة العثمانية ولم يبق أمامها سوى المناطق الكردية.
نتيجة معركة كيوروك-دارا (24 تموز 1854) وهزيمة الفيلق التركي المكون من عشرين الفاً في مرتفعات جينكيلسك (17تموز1854) تناقص جيش الأناضول بصورة حادة: من 120 ألفاً إلى (40-50) ألف رجل.
لجأت القيادة العسكرية التركية إلى تجنيد القوات غير النظامية لتعويض خسائرها الجسيمة. وعلى اثر كل هزيمة عسكرية كان الأتراك يواجهون المصاعب من إمداد الجيش النظامي بعناصر جديدة وخاصة من الأكراد.
يقول خاليت مرادوفيج جتويف: وصلت انباء هزيمة جيش الأناضول في الحرب مع الروس إلى المناطق الكردية النائية في تركيا. انتهز يزدان شير إحدى شخصيات الحركة التحررية الكردية بُعد القوات التركية، فانتفض في كانون الأول 1854م. في الجزيرة بهدف تحرير كردستان. وفيما بعد انضم إلى المنتفضين أكراد هكاري وموتكي وبوتان حتى اتسعت الانتفاضة وشملت مناطق واسعة .
استغل يزدان شير الظروف السياسية والأوضاع الاقتصادية المزرية في المناطق الكردية، وحالة الاستياء العام في كوردستان من تصرفات الإدارة العثمانية وعزل الزعماء الكورد وزيادة الضرائب والتجنيد، بالإضافة إلى الهزائم العثمانية أمام الروس في حرب القرم 1853-1856م، وأعلن الانتفاضة وحدد مركزها بوتان وهكاري ووجه الضربة الأولى المؤلفة من الفي /2000/ مقاتل إلى مدينة بدليس واستطاع بفضل دعم سكان المنطقة الواسع أن يحتلها بكل سهولة. كما شمل الدعم والمساندة كافة القرى والسكان الذين يعيشون في تلك المناطق من الآثوريين والأكراد والإيزيديين والأرمن، وأصبحت هذه الانتفاضة انتفاضة شعبية عامة بقيادة يزدان شير للتطلع نحو الحرية والخلاص من ظلم العثمانيين فالتفَّ الاهالي حوله بشهادة المستشرقين والرحالة والأجانب كما نوّه القائد العسكري الروسي م.لوخوتين بأن: "رياء الباشا وظلمه واستبداده قد أثار السخط العام ليس لدى الأكراد فحسب بل لدى جميع من رأى بأن حكم القائد الكردي لابد من أن يكون أفضل من حكم الباشا".
في عام (1850) قامت القوات التركية بمذبحة مريعة في منطقة (اومريان) في منطقة جبل (طور) العائدة لحكم (يزدان شير) بحجة عدم وفائها للضرائب المترتبة عليها ، وبقيت المصادمات والمناوشات اليومية مستمرة بين السكان الكورد والقوات التركية نتيجة الاستياء العام بين الكورد من وصول القوات التركية بكثافة إلى كوردستان وإرغامها السكان على التجنيد الإجباري وجمع الضرائب وتموينات الحرب بصورة قسرية لذا غالباً ما كان الرجال يلوذون بقمم الجبال النائية هرباً من التجنيد الإجباري وتهرباً من دفع الضرائب الباهظة وتقديم المؤن لجيش محتل .
امتدت الانتفاضة من الموصل حتى وان، أما العامل الحاسم الذي أدى إلى قيام الانتفاضة فكان يعود إلى ظروف سياسية، إذ خسر الجيش التركي على جبهة القفقاز معركة اثر أخرى وتقدمت القوات الروسية بنجاح صوب قارص وارضروم.. إضافة إلى أسباب أخرى منها مثلاً: إدارة الحكام الأتراك التعسفية واستبدادهم بالناس والضرائب الباهظة التي فرضتها عليهم.
ظهرت الآثار السلبية لعملية إرغام الكورد على الخدمة العسكرية مع بداية حرب القرم مع روسيا، حيث إن الخيالة الكورد في الجيش العثماني الذين قدر عددهم بـ (4-5) آلاف مع بداية الحرب، لم يبق منهم أحد ضمن الجيش العثماني بعد سنة، فقد عادوا إلى مناطقهم وأدت الأوضاع إلى اندلاع حركة (يزدان شير) كما ذكرنا، والتي قال عنها القائد الروسي (ليخوتين) إن ( رياء الباشا وظلمه واستبداده قد أثار السخط العام ليس لدى الأكراد فحسب، بل لدى جميع من رأي حكم القائد الكردي لا بد من ان يكون أفضل من حكم الباشا) .
كتب الدكتور ن.أ.خالفين عن انتفاضة يزدان شير ما يلي: "في هذه الاثناء وعلى سابق انتظار القيادة الروسية اندلعت في منطقة هكاري بعيداً جنوبي القفقاس ثورة جماهيرية علنية ضد النير التركي، وقد سميت بـ "انتفاضة يزدان شير" تيمناً باسم قائدها يزدان شير... وقد دعا يزدان شير أنصاره إلى الانتفاضة العلنية بعد التأكد من تصاعد الاستياء الشعبي جراء أعمال السلطات التركية في كردستان، وقد لاقى الشعار الذي رفعه هو، بوجوب تصفية السيطرة العثمانية، المساندة الواسعة من لدن أكراد هكاري وبوتان وموتكان وغيرها من أقاليم كردستان. ووقف بجانبه أيضاً (الآشوريون والأرمن) وغيرهم من شعوب شرق تركيا، وقد ساعد النضال المشترك ضد الحكومة من قبل الأقوام المستعبدة، لدرجة كبيرة، على تقدم حركة يزدان شير.
ورد في كتاب "طور عابدين" أن معركة جرت بين القوات العثمانية ويزدان شير وأخيه منصور الثاني: " اتفق عزالدين شير (يزدان شير) ومسور بك (منصور بك) من الجزيرة وزحفا على الجبال الكردية الشمالية حتى وصلا إلى سعرت.." " وبلغت أخبارهما أمير بلجه وسكان شروان وفتاح بك حاكم منطقة غرزان فاتحدوا جميعاً بعد مكاتبات كثيرة وجردوا حملة قوية وقابلوا الغزاة في معركة حامية استمرت ثلاث أيام وثلاث ليال سقط فيها من الجانبين مئات القتلى والجرحى إلا أن عزالدين (يزدان شير) هزمهم جميعاً، فأرسلوا إلى اسطنبول مستنجدين" .
وامتدت الانتفاضة إلى مناطق جديدة، وانضم إليها سكان المناطق الجنوبية في وان وموكوس بقيادة زعيم تيلي بك، وكذلك أولاد بدرخان بك، الذين كانوا قد أرسلوا من قبل الباب العالي إلى كوردستان بصلاحيات مطلقة وبكميات مالية هائلة بهدف جمع القوات لصلاح الباب العالي. واستغل أولاد بدرخان بك تلك الصلاحيات والأموال واستطاعوا تشكيل جيش كبير من الأكراد ثم انضموا إلى الانتفاضة.
يعلن مراسل جريدة "كورييه دي ليون" من استنبول قائلاً إن "الحكومة العثمانية تخشى أن تأخذ الانتفاضة، التي تزداد قوة يوماً بعد يوم، ويصعب قمعها حالياً، أبعاداً خطيرة لتشمل السكان المسيحيين في أرمينيا بل والأناضول.
ويقول د.ن.أ. خالفين:" .. زحف يزدان شير على رأس ألفين من المسلحين على تبليس في نهاية عام 1854م، وسرعان ما احتلها وقضى على الإدارة التركية وبضمنها قائمقام تبليس، وبعد ذلك هزم الثوار قوة نظامية تركية من ثلاثة آلاف، وتوجهوا نحو الموصل التي وجدوا فيها معملاً للأسلحة وحصلوا على مخزن كبير من قنابل المدافع. وباستيلائه على هذه المدينة استطاع يزدان شير تقوية الثوار المسلحين، وشملت الانتفاضة مناطق أخرى. فقد دخلت في صفوفها قبائل وأفواج جديدة وبلغ عدد جيوش يزدان شير فعلاً(30)ألفاً، وفي بداية 1855م وقعت حرب طاحنة حول مدينة سعرت، وقد وصل إلى هناك والي بغداد "كنعان باشا" مع قوات والي بغداد وقوات سعرت، واحتلت المدينة وسجلت السيطرة على هذا المركز الإداري الكبير وهزيمة قوات تركية كبيرة علامة مميزة، فأخذت قبائل وطوائف كردية جديدة تدخل باطراد في الثورة. فالانتفاضة التي عبرت بوضوح عن النزعة المعادية للحكومة شملت مناطق شاسعة من وان إلى بغداد. وقضى الثوار على فرق تركية كثيرة وموظفين من الجهاز الإداري.
وبشهادة "افريانوف" قتل من مدراء النواحي وحدهم(16) مديراً، وازداد جيش يزدان شير وسرعان ما بلغ (60) ألفاً. وقام يزدان شير بمحاولات مختلفة لتوثيق صلاته بأقرب قيادة روسية قريبة من (قيادة يريفان).
وكما كان متوقعاً، فقد اتخذت حكومة السلطان تدابير مستعجلة من أجل القضاء على بؤرة الخطر. غير ان الباب العالي لم يكن يملك حينذاك جيشاً قوياً في كردستان، كما أن الحاميات القليلة في المدن لم تكن في وضع يؤهلها من إبداء المقاومة في وجه المنتفضين. واتسعت حدود الانتفاضة، وأخذت طابعاً شعبياً. ولم تتمكن السلطات التركية أن تدفع، في الوقت اللازم، الزعماء الأكراد المعادين ليزدان شير للقيام ضده.
اتسعت حدود الانتفاضة واتخذت طابعاً جماهيرياً في كانون الثاني 1855م وتم تجهيز جيش من ايالة بغداد وضم حاميات المدينة سلمت قيادته لكنعان باشا، غير أنه تحطم في أول صدام له مع المنتفضين بالقرب من مدينة سيرت، ثم انضم إلى الانتفاضة أكثر من /2000/ألفي عربي من جنوب شرقي الأناضول وعدد كبير من اليونانيين، وأبدى الأرمن تعاطفهم العلني مع الانتفاضة. وبلغ عدد المنتفضين في شباط /60/ألف مقاتل. وثمة معلومات تقول أن العدد قد بلغ /100/ ألف مقاتل... .
يقول كندال نزان:"أراد يزدان شير أن يستغل من هذه الحروب الروسية- التركية فسعى إلى توجيه الاستياء الشعبي واستغلاله لخلق كوردستان وليصبح ملكاً عليها. وفي ربيع عام 1855م شنَّ الحربَ على بتليس وتمكن من احتلال المدينة بجيش قوامه ألف محارب وطرد الحاكم التركي وعين كردياً في مكانه ثم سار إلى الموصل ودخلها من غير كبير عناء، وقد تمكن بما غنمه من هذا الموقف العسكري العثماني الهام من أسلحة وذخائر وتمكن من إنشاء جيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل وحرر سيرت بسرعة خاطفة وهي عقدة إدارية عسكرية للاحتلال العثماني في كوردستان وقد اشترك في الدفاع عنها قوات واليي بغداد وسيرت... ولم تمض بضعة أشهر حتى انضمت أقاليم واسعة بقيادة يزدان شير تمتد من بغداد حتى بحيرة وان ودياربكر فبعث هذا الانتصار الكثير من اآمال في قلوب السكان، فمن كل ناحية كان رجال ممن هم في سن يخولهم لحمل السلاح ينضمون إلى جيش يزدان شير إلى أن بلغ تعداد هذا الجيش المئة ألف رجل في نهاية صيف عام 1855م ".
ويقول الدكتور عبدالرحمن قاسملو:"كانت أعظم انتفاضات هذه الفترة تلك التي اندلعت أثناء الحروب الروسية التركية (1853-1856)م تحت قيادة البطل الوطني يزدان شير. وقد اندلعت الانتفاضة في منطقتي هكاري وبوتان ثم انتشرت على عجل، وما أن مضى وقت قصير حتى استطاع يزدان شير أن يحرر كل المنطقة الممتدة بين بحيرة (وان) وبين بغداد. ومن أبرز خصائص تلك الانتفاضة أنها لقيت تأييداً من أوسع فئات الشعب على نقيض ما حدث في الانتفاضة التي قادها بدرخان، قدم السكان المسيحيون العون النشيط لهذه الانتفاضة وساهموا وأسهموا في القتال. "وما أن حل كانون الثاني 1855م حتى بلغ تعداد قوات يزدان شير ثلاثين ألفاً، ثم ارتفع في شباط إلى ستين ألفاً ثم بلغ بعدئذ مائة ألف بينهم يونانيون وعرب" ، وحاول يزدان شير أن يتعامل مع الجيش الروسي في محاربة الأتراك إلا أنه لم يفلح" .
بعد علم يزدان شير بوجود القوات الروسية في بيازيد، طلب المساعدة خمس مرات من قائد فرقة يريفان بغية قيامه بالهجوم الفوري على وان و تبليس والانضمام إلى قواته وبعد ذلك التحرك إلى ارزروم. إلا أن رسائل يزدان شير لم تصل إلى المكان المطلوب. لأن فرقة يريفان كانت في هذا الوقت موجودة في مقرها الشتوي بالقرب من يريفان. وهكذا، فان القيادة العسكرية للقوات الروسية لم تستفد من الانتفاضة الكردية، بيد انه كما يشير الجنرال ليخوتين فإن هذه الانتفاضة ساعدت إلى حد ما القوات الروسية، لانها ألهت جزءاً من القوات التركية من جهة ارزروم وبيازيد ومن المحتمل ايضاً من جهة قارص.
يقول ف.ف. مينورسكي عن انتفاضة يزدان شير:" وفي أيام حرب القرم، انفجرت حركة شعبية أخرى بقيادة يزدان شير وهو من أقارب بدرخان باشا المار ذكره . عندما تحركت الجيوش التركية إلى الشمال للقيام بالحرب ضد روسيا، قام يزدان شير بحركته في هكاري وبوتان في سنة 1855، فاحتل تبليس والموصل وانحدر جنوباً، حيث استولى على جميع الأراضي التي تقع بين وان وبغداد. كان اندحار الجيوش التركية في منطقة سعرت شديداً، وقد قتل خلق كثير من الموظفين والجنود والأتراك، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الحركة لم تكن ضد المسيحيين، وإنما بالعكس فإن النسطوريين واليونانيين الذين كانوا يعيشون في كوردستان قد نهضوا أيضاً وحاربوا تحت راية يزدان شير. اتصل يزدان شير عدة مرات بالروس وأرسل اليهم رجاله واقترح عليهم أن يلتحق بجيشنا (الجيش الروسي) ولكنه لم يحصل على أي جواب" . واكتسبت التحررية طابعاً جماهيرياً.
اللافت للنظر أن يزدان شير استولى على أغلب المناطق الكردية في كوردستان الشمالية بدليل أن الرحالة ماكون.ج. كارليل عندما كان يتجول في كوردستان يصادف جنوداً من قواته في اليل والنهار، ويبدو من حديثه أنه كان يساعد القوات العثمانية لضمان حياته وقد شارك في سلاح المدفعية ضد جنود يزدان شير وهو القادم من الموصل إلى حلب ثم اسكندرون. يروي كارليل الأحداث والوقائع التي جرت معه في رحلته مع قوات يزدان شير الذي يسميه قوات المتمردين، لكنه لا يصف المعارك ولا يتحدث عنها إنما يشير في مذكرته إلى الحوادث حيث يقول:" لا حاجة لي لكي أروي كيف وصف التتري وقائد الباش بوزوق القتال الذي خضناه قبل الاستسلام إلى العدو المتفوق علينا، وكيف أقسم عثمان- أنه بعد أن رتب الجزيرة- سوف يجعل مثالاً من بابيلا لم يسمع به منذ أيام بدرخان بك" . يلتقي كارليل أينما توجه بقوات المتمردين. مرة يهرب وأخرى يشارك في القتال وثالثة يستسلم وهكذا يبدو أن المناطق الكردية كانت تحت سيطرة يزدان شير وقواته.
يصف كارليل حين كان يوجه قذائف المدفعية إلى المأذنة الخشبية يقول:" إثر آخر قذيفة رفرف علم أبيض على الجدران وخرج بعد نصف ساعة سيد بعمامة خضراء للاتفاق على شروط التسليم، وكتب تقريراً قبل بضعة أيام من ذهاب يزدان شير بك زعيم المتمردين إلى الجبال تاركاً المدينة في يد ضابط صغير أنه عرض أن يلقي السلاح شرط ضمان العفو العام، رفض الباشا أن يتعامل وفق هذه الصيغة وأمر على ابعاد الذكور البالغين عن المدينة قبل دخوله لها، وباعتبار أن السيد لا يستطيع أن يعد بذلك فقد سقطت المحادثات ونجحت في تلك الليلة في اقناع باش بوزوق بتزويدي بدابة وأن يدلني على طريق العودة إلى الموصل مقابل وعد بالدفع من قبل القنصل لدى وصولنا" . ويتابع السيد كارليل رحلته فيصادف أناساً كثيرين حتى يصل إلى مدينة نصيبين التي يوجد فيها جنود يزدان شير أيضاً، فيحل في الخان ويروي لنا الحادثة على لسان شيخ عجوز يقول:" سمعت أن عثمان باشا وصل قبل خمسة أيام اثر تراجع فخر من الجزيرة، وزرته في الصباح بغية الاطلاع على الاخبار، وفوجئت باستقبال المتعصب العجوز لي استقبالاً حاراً وبعد أن عاتبني لأنني غادرتهم، ذكر لي كيف تلقى المتمردون الدعم من الجبال بقيادة يزدان شير نفسه وضربوا حصاراً وانزلوا هزيمة منكرة بقواته كلها، مع فقدان مدفعين وكادوا أن يأسروه، وأبدى ندماً شديداً لأنه لم يقبل شروط الاستسلام التي عرضها السيد "ذات مرة". وقال المتوحش العجوز:" كان بإمكاني أن أقطع رقابهم وأدنس قبور أبائهم حسبما أرغب" ولم يقدم له عصمت أية فرصة أخرى، وأخذته خلال أسبوع جلطة دماغية" .
سعى يزدان شير إلى التنسيق مع القوات الروسية فأرسل خمس رسائل إلى قائد القوات الروسية بعد أن احتل بيازيد وطلب منه أن يكثف عمليات قواته في الاتجاه الجنوبي وكان يزدان شير ينوي الانضمام بقواته إلى القوات الروسية في مدينة بدليس، ثم توجه سوياً نحو مدينة أرضروم إلا أن الرسائل لم تصل لأن القوات الروسية قد تحركت من تلك المنطقة.
يؤكد ليخوتين الذي كان حينذاك رئيساً لقوات الأركان اليريفانية على أن قادة القوات الروسية لو استلموا تلك الرسائل، لما كان بوسعه اتخاذ تدابير هامة، لأن القوات كانت قد أوقفت عملياتها في الشتاء.
في شباط وآذار اتسع مجال الانتفاضة باتجاه ارضروم وبيازيد. وكان أكراد بيازيد يتعاطفون مع أكراد المناطق الأخرى، ويهتمون بنجاحات يزدان شير. ويكتب ليخوتين:" كان السكان يهتمون بكل شيء له علاقة بالانتفاضة لأنها تمس حياتهم مباشرة ولأن شعوراً واحداً كان يجمعهم ضد السلطات العثمانية .
بادرت القيادة التركية إلى سحب قسم من قواتها من الجبهة الروسية لتزجها ضد الانتفاضة. وقد استطاعت حكومة السلطان ان تركز قوات إضافية ضد الثوار في هذه الظروف وبالإضافة إلى ذلك أخذت الدبلوماسية البريطانية تشترك بنشاط في الصراع ضد الثورة وقد قيمت الدوائر الحاكمة البريطانية الأحداث الجارية في كوردستان التقييم الضروري. وأعطيت التوجهات إلى الممثلين الدبلوماسين الانكليز شرقي تركيا لاتخاذ التدابير اللازمة لإخماد الانتفاضة ووضع العمل اللازم في خدمة هذا الغرض، فبدأ تكليف القنصلية الانكليزية في الموصل "رسام" بالمفاوضات مع يزدان شير وغيره من زعماء الحركة.
لقد تدخل القنصل الانكليزي في الموصل في المسألة، وتمكن بالوعود والرشاوي أن يساوم عدداً من زعماء القبائل الكردية لقبول الصلح مع الأتراك... فتوقفت عمليات الانتفاضة مؤقتاً. كان يزدان شير يعيش جنوب مدينة وان في قلعة (مقرا علي) المحصنة والآمنة. وأرسل من هناك في بداية نيسان 1855م رسولاً اسمه (اصلو) إلى قائد قوات يريفان يقترح عليه ثانية أن يتقدم نحو موش، ومنها إلى بيتليس، حيث يستطيع هناك الانضمام إلى القوات الروسية.
لم يتلق يزدان شير، المساعدة المنتظرة من أحد، لذا فقد الأمل في الانتصار، ووافق، تحت تأثير القنصل الانكليزي، على دخول المفاوضات مع السلطات التركية. خرج يزدان شير، بعد أن وثق بوعود القنصل الانكليزي وكلمة (الشرف)، من قصره لإجراء المباحثات. لكن ألقي القبض عليه غدراً في القنصلية البريطانية، وبعد فترة أرسل إلى استنبول، ثم إلى طرابزون وتوفي في مدينة يانيا .
يؤكد خالفين وساطة القنصل البريطاني يقول: "وبحجة القيام بالوساطة بين يزدان شير وممثلي اسطنبول قدّم (رسام) إلى الزعيم الكردي /400/كيس من الدراهم بحسب بعض المصادر، ونجح رسام في زرع الشقاق في صفوف الثوار، وقدم الانكليز الذين كانوا موجودين في أماكن قريبة من مناطق الأحداث الجارية المساعدات المباشرة الفعلية للقوات الحكومية في حربها مع الأكراد، فمثلاً قاد "ماكون" الذي كان هناك عمليات المدفعية التركية المستخدمة لاجتياح التحصينات الكردية، وفي هذا الوقت كانت قوات تركية ضخمة متمركزة في كردستان، وقد استطاعت القوات التركية مستخدمة أسلحة جديدة تلقتها بغزارة من ترسانات الأسلحة الانكليزية لاحتلال المدن ونقاط تقاطع الطرق ومطاردة الثوار إلى الجبال وأما يزدان شير نفسه فقد تحصن في قلعته (قصر أقاي) في منطقة الجزيرة إلى الجنوب من وان ولأجل درء هذا الخطر عمد العملاء الانكليز إلى إثارة الاستفزازات المكشوفة واستحصل رسام من يزدان شير موافقته على مقابلة مبعوث السلطان المخول لتصفية القضايا المختلف عليها، وعلى الرغم من أن الدبلوماسي الانكليزي والشخصيات الرسمية التركية تعهدوا بضمان سلامة زعيم الثورة إلا أنه ألقي القبض عليه في أحد اللقاءات وظل فترة تحت الإقامة الجبرية في القنصلية البريطانية ثم ارسل إلى اسطنبول ثم إلى طرابزون –مدينة يانيا، وتوفي هناك، ومن غرائب القدر أن يوافق وقت إخماد الثورة وصول مندوب يزدان شير الشخص الكردي (أصلو) إلى قائد فرقة يريفان مع عرض بزحف القوات الروسية على موش وبتليس للاتحاد مع الثوار".
وتدهورت أمور زعماء الانتفاضة شيئاً فشيئاً... ولم يستطيعوا الاستفادة من النجاحات التي أحرزوها... فتمكنت القوات التركية من قمع الانتفاضة في كردستان... وأصدرت بالمناسبة ميدالية خاصة. ثم أرسلت على الفور القوات التي ساهمت في قمع الانتفاضة إلى جبهة القفقاز.
وفيما بعد ونتيجة تدخل القنصل البريطاني في الموصل تم القبض غدراً على يزدان شير في نيسان 1855 وارسل إلى القسطنطينية، وعلى الرغم من إخماد الانتفاضة فان تأثيرها بقي طويلاً.
لنرى ماذا يتحدث قاسملو عن نهاية الانتفاضة: "دامت الانتفاضة عامين. ثم أرسلت بريطانيا قواتها لمعاونة تركيا عن طريق مبعوثها نمرود رسام، وأفلحت في إقناع يزدان شير بالتفاهم مع السلطان. وقد ركن يزدان شير هو الآخر إلى الوعود التي قطعت له فسافر إلى القسطنطينية، وهكذا انتهت الانتفاضة، إلا أنها تركت آثاراً عميقة في المراحل التالية لنضال الشعب الكردي. وما فتىء اسم يزدان شير يردد بالتمجيد في الفولكلور الكردي حتى يومنا هذا".
ويؤكده كندال نزان:" في نهاية عام 1855م انطلق المبشر البريطاني نمرود رسام من الموصل مزوداً بمبالغ من المال نحو المقر العام للحركة الكردية وطلب أن يكون وسيطاً، وبزياراته لزعماء القبائل فرداً فرداً محاولاً رشوتهم بالهدايا والمال والسلاح جاهداً في حمل يزدان شير على تسوية مسألة استقلال كوردستان عن طريق مفاوضات كردية عثمانية حيث يقوم البريطانيون بدور الوسطاء، فتخلى بعض زعماء القبائل عن مواصلة الكفاح تملقاً للمال البريطاني ومن جهة فقد وثق يزدان شير الزعيم المحارب المقدام، وانما غير الخبير فيما يتعلق بالدبلوماسية أنه لم يتلق أبداً جواباً عن الرسالة التي وجهها إلى الزعماء الروس يطلب مؤازرتهم ظناً منه أنه لا يمكن خلق دولة مستقلة من غير مساندة قوة غريبة في حالة اليونان ومصر".
ويرى مينورسكي أن :" وقبل أن نبدأ نحن بالعمليات الحربية في ربيع سنة 1855م سلم يزدان شير نفسه على أثر وعد كاذب قطعه عليه جاسوس القنصلية الانكليزية نمرود رسام فقبض عليه وأرسل إلى اسطنبول وهكذا أخمدت الحركة والجدير بالذكر هو أن الحكومة العثمانية قد منحت أوسمة خاصة لجميع الضباط والجنود الذين اشتركوا في القضاء على هذه الحركة وأما يزدان شير نفسه فقد أصبح بطلاً قومياً فيما بعد، وقد خلدته مجموعة من القصائد الشعبية الكردية وقد سجل (سوتسين) كثيراً من الأغاني عن هذا البطل".
ويشير ليخوتين، بأسف أثناء تقويمه الانتفاضة، إلى ان عملياتها لم تتوافق مع عمليات القوات الروسية. إذ أنها اندلعت في تشرين 1854م، وذلك بعد أن وقفت القوات الروسية عملياتها الحربية. وفي ربيع عام 1855م، عندما استأنفت القوات الروسية عملياتها، كانت الانتفاضة قد أخمدت... ويحاول ليخونين أن يتهم يزدان شير بأنه بدأ الانتفاضة في وقت مبكر جداً، وبأنه (تسرع). ولكن لا بد من الإشارة إلى أن القيادة الروسية العسكرية لم تتخذ أية إجراءات عملية في سبيل دعم يزدان شير. ويذكر ليخوتين قائلاً:" هناك على الأغلب... أسباب أخرى هي التي منعت القائد الروسي العام أن يعير الانتباه إلى يزدان شير".
لكن ما هي تلك الأسباب؟ فإن ليخوتين لا يفصح عنها. كان بوسع مساعدات القوات الروسية ليزدان شير أن تؤثر جداً على سير حرب القرم. وليس مصادفة أن يكتب نيقولا الأول في رسالته إلى فارونتسوف في كانون الثاني عام 1854م مايلي: " أكرر، أن النجاح في آسيا، يقودنا، على الأغلب، إلى السلم المرغوب فيه". كان القيصر دولغاروكوف ينصح في رسائله. نائب القفقاز الجنرال مورافيوف بأن يحافظ، بكل الأساليب على علاقة الصداقة مع الأكراد، ودون التوقف أمام أي شيء. إلا أن مورافيوف، الذي كان قد تعين في نهاية عام 1854م نائباً للقفقاز وقائداً عاماً لفيالق من القفقاز، لم ير من الضرورة الاستفادة من انتفاضة يزدان شير لصلاح روسيا. كان ينظر إلى الأكراد نظرة ريبة وشك، وشرح في رسالته إلى دولغاروكوف في 10/حزيران/1855م، بأن الأكراد سيحاربون عند ديارهم فقط: "ولا يجوز الاعتماد عليهم بشيء" هذا ما جزم به السيد مورافيوف!... .
نظراً للأهمية الكبيرة التي أعطيت لهذه الانتفاضة، أعلنت الحكومة التركية عن توزيع أوسمة خاصة لجميع المشتركين في قمع انتفاضة يزدان شير.
مما تقدم نلاحظ أن يزدان شير الذي قام بانتفاضة شعبية ضد السلطات العثمانية كان شاباً، يافعاً، طموحاً، غيوراً على وطنه وشعبه، يملك من القوة والشجاعة ما لم يملكه أحد غيره، أن هذه الخصال الحميدة من النبالة والنسب هي التي ينتمي إليها أمراء بوتان وكان حظ يزدان شير منها كبيراً وهو الوريث الشرعي لإمارة بوتان.
مازال يزدان شير حياً في ضمير الشعب الكردي، وقد ورد ذكره في الأغاني الشعبية وأشاد بذكره الرواة والمطربون وتحدثوا عنه وعن شخصيته وشجاعته، وإن تجاهلت أقلام الكتاب والمؤرخين الأكراد سيرته، لكن ذاكرة الشعب الكردي تظل تحتفظ به وبمآثره البطولية، ولم ينس بطلاً من أبطاله الصناديد الذي حاول جاهداً أن يوحّد ويبعث الروح القومية في ابناء جلدته في تلك الفترة التاريخية، وستظل ذاكرة الشعب والفولكلور يتغنيان بامجاد أبطاله الميامين من أمثاله وغيره.
التفت كافة الشرائح الشعبية حوله من أرمن ويونان وعرب وأكراد ونسطوريين وايزيديين ومسيحيين وغيرهم... حتى شملت أكثر المناطق من كوردستان وامتدت إلى الجزيرة السورية، وكان السكان ينظرون إليه بأنه الحاكم الذي سينقذ السكان من الظلم والاحتلال العثماني فانضووا تحت لوائه لتأسيس كيان كردي مستقل حر بذاته. وتم تجهيز الجيش بالأسلحة المتطورة والعتاد اللازم، من جهة أخرى كانت السلطات العثمانية لا تثق بأي أمير كردي، بل تخدعهم دائماً وقد حاولت كثيراً القضاء على ثورة يزدان شير، وبدوره لم يثق يزدان شير بهم لكن جاسوسية القنصلية الانكليزية قد نجحت وأخمدت الثورة، وفي الوقت نفسه كانت الدول الأوربية تخشى يزدان شير من استلامه الإمارة فيعيق حركتهم لأن يزدان شير كان عنيداً وطموحاً ومتعصباً لقضيته القومية.
اللافت أن يزدان شير دعا في بداية الانتفاضة إلى القومية الكردية وخلاص الشعب الكردي من ظلم المحتل العثماني وإن دل هذا على شيء إنما يدل على سعة خياله وأفقه وإدراكه وحسه القومي، كما أنه جرت مراسلات بينه وبين القوات الروسية من جهة وعلاقاته بالانكليز من جهة أخرى لضمان نجاح الثورة، لكن قلة خبرته الدبلوماسية، وعدم نضوج شروط إعلان الثورة الذاتية والموضوعية، ومصالح الدول الكبرى، جعلت الثورة تنتهي بهذا الشكل. يبدو كل ما أنجزه يزدان شير من انتصارات عسكرية خسره على طاولة المفاوضات الدبلوماسية.
ان نهاية الإمارات الكردية تشكل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ومهمة من التاريخ الكردي، تمتد لبضعة عقود حتى يتواصل الوعي القومي الكردي خلال ذلك ليعبر عن نفسه وثم وصولاً إلى القرن العشرين الذي شهد الوعي القومي الكردي الحديث والمعاصر سطوعاً اشد.
دلاور زنكي
إن كانت لديك معلومات أكثر عن هذا \ه العظيم\ة الكردي \ة، أو عن عظيم \ـة كردي \ـة أخر أرجو أن تمدنا بها أو بمصادر أخرى على العنوان التالي limatha83@gmail.com