المؤرخ الكردي شرف خان بدليسي |
ينتمي هذا المؤرخ الكردي الكبير الى سلالة روجكي التي حكمت إمارة بدليس الكردية وهو الابن البكر للأمير شمس الدين بن شرفخان الذي كان يتولى حكم الإمارة حتى عام 1537م عندما طلب منه السلطان العثماني سليمان القانوني التنازل عن إمارة بدليس ومنحه ولايتي ملاطيه ومرعش الكرديتين ولكنه خاف ان يكون هذا الأمر بداية للقضاء على نفوذ عائلته وأنتصاراً لخصومها فقصد الشاه طهماسب الصفوي في مدينة ارجيش الكردية ومنه الى مدينة تبريز مع عائلته وبعض أنصاره وأقربائه فأكرمه وولاه منطقة سراب الكردية بعد أن منحه لقب خان وأدخله في سلك أمرائه العظام، كما منح حينا منطقتي مراغة ودماوند.
كان الأمير شمس الدين وقبل ارتحاله الى إيران بسبع سنين قد تزوج من كريمة أمير خان موصلو وهناك في بلاد العجم وفي قصبة كرهرود ولد لهما أبنهما شرف (المؤرخ شرفخان) عام 1543 ميلادي . يقول المؤرخ والأمير شرفخان عن هذه الفترة (كان من دأب الشاه ان يعني بأطفال أمرائه فيدخلهم جميعا قصره العامر ولا يدع من نظم التربية والتنشئة شيئا إلا ويراعيه ... يمرنهم على العبادة والتقوى ... ويحثهم على ملازمة العلماء والفضلاء حتى إذا أيفعوا عهد بهم إلى من يعلمهم النظم العسكرية والرماية واللعب بالكرة والصولجان والفروسية... ويوصيهم بقوله تعلموا فن التصوير والنقش فأنهما يفتحان السليقة ويصقلان الذهن). وفق هذه القاعدة دخل شرفخان قصر الشاه الصفوي ولما اعتزل والده الحياة العامة نصبه الشاه أميرا وهو في الثانية عشرة من عمره، ثم ولاه إمارة كرهرود فتولاها لبضع سنوات . ثم حدثت قلاقل وثورات في منطقة كيلان ولم يستطع احد من أمراء القزلباش تهدئة الاوضاع فيها فولى الشاه الأمير (المؤرخ) شرفخان عليها ، واستطاع شرفخان بحنكته القضاء على المناوئين وترضية الشعب حتى عادت الأمور إلى مسارها فكتب إليه ديوان الشاه ما نصه (ان عدالتك الكاملة وعنايتك باحوال الشعب وشجاعتك الفائقة قد اتضحت... بيض الله وجهك في الدارين). وقد استطاع شرفخان بجيش صغير يتألف من 450 بين فارس وراجل من القضاء على جيش السلطان هاشم الذي كان يتكون من أكثر من ثمانية عشر ألف جندي من فارس وراجل وان يشتت هذا الجيش الضخم ويحكم سيطرته على كيلان ويبسط فيها الأمان والعدل.
عندما تولى السلطان إسماعيل ميرزا عرش الدولة الصفوية بمساعدة أخته بيري خانم طلب من شرفخان ملازمة ديوان الشاه وولاه منصب أمير أمراء كردستان فكانوا يراجعونه في كل شؤون الإمارات الكردية ويقضي لهم حوائجهم باسم الشاه .على ان الكثير من الأمراء القزلباش أصابهم الحسد والغيرة مما يلقاه شرفخان بدليسي من محبة الشاه الصفوي واحترامه له ومقامه في الديوان الشاهنشاهي فوشوا به غدرا لانه يتعاون مع بعض الأمراء لخلع الشاه وتنصيب ابن اخيه مكانه. لقد صلب الشاه الصفوي عددا من الأمراء الفرس بسبب هذه الوشاية ولكنه اكتفى بابعاد الأمير والمؤرخ الكردي شرفخان عن عاصمة ملكه ومنحه حكم ناخجوان . يكتب شرفخان في كتابه الشهير (شرفنامة) عن هذه الحادثة بالقول (كانت هذه الحادثة بشارة واشارة من المنحة الالهية وفضلا من الفيوضات الربانية اللامتناهية وسماحا للعودة الى ارض الوطن المألوف ومقام الأجداد المعروف). إذ لم يمض عام ونيف على توليه حكم ناخجوان حتى وصله كتاب من السلطان العثماني مراد خان وعن طريق ألامير الكردي خسرو باشا أمير الأمراء، ان حاكم هكاري يعلمه فيه إعادته إلى ملكه الوراثي في إمارة بدليس ويطلب منه العودة اليها ، فعاد شرفخان في عام 1575 ميلادي الى موطنه وتولى إمارة بدليس الكردية من جديد وخلع عليه السلطان العثماني خلع ملكية وسيفا مذهبا جاء بها اليه مبعوث السلطان مصطفى جاوش مع رسالة من الوزير الأعظم ورسائل الوزراء الآخرين وخلع أخرى وسيف مذهب من مصطفى باشا قائد الجيوش العثمانية. أما السلطان مراد خان نفسه فقد كتب اليه وبخط يده (محبي الصادق شرفخان. ان إخلاصك الكامل وولائك التام ومودتك الخالصة وخدماتك الصالحة قد لاحت على ضميرنا الهمايوني المنير المشع كالشمس ...الخ.
عندما فرغ الأمير من كتابة كتابه الشهير (شرفنامة) الذي يتحدث فيه عن تأريخ الأمة الكردية كان لا يزال يتولى شؤون إمارة بدليس ويقول احد أحفاد الأسرة باسم ضياء شرفخان ان الأمير شرفخان الخامس توفى عام 1604.
أما إمارة بدليس فقد ظلت في أيدي الأسرة البدليسية حتى عام 1676 م وعندها قضى والي ولاية وان الكردية على الإمارة ووضع يده على خزائنها.
يقول السائح التركي أوليا جلبي انه كان في اللجنة التي تولت ضبط ممتلكات الإمارة فيقول كان مما خلفه أمير بدليس عبدال خان (حمل سبع جمال من الكتب ، فكانت مكتبته الخاصة تحتوي على أكثر من أربعة آلاف نسخة من الكتب القيمة. من نوادر المخطوطات في العلوم الدينية والتاريخية واللغوية وعلم الحيوان والنبات والطب والتشريح والشعر وأنواع من الخرائط والصور واللوحات النادرة واغلبها مجلد في غاية الإتقان والزخرفة. وكان يبلغ تاليفاته 76 كتابا و105 رسائل. يجدر بالذكر ان الامير الكردي عبدال خان هو حفيد شرفخان بدليسي ويرى المؤرخ الكردي عبد الرقيب يوسف انه تعلم الشعر والرسم من جده.
رغم ان شرفخان قدم خدمات جليلة لسكان امارة بتليس وسهر على إشاعة العدل فيها إلا ان ما خلده أكثر هو كتابه الشهير (شرفنامة) الذي فرغ من كتابته عام 1597 ميلادي . ويبحث فيه التاريخ الكردي بشكل عام وتأريخ الإمارات الكردية بشكل خاص وبذلك يعتبر هذا الكتاب (كتاب شرفنامة) الذي ألفه المؤرخ الكردي شرفخان بتليسي هو المصدر الأساس لتاريخ شعب كردستان . ويقول المؤرخ الكردي الدكتور كمال مظهر انه لا يوجد أي مستشرق أجنبي لم يسمع بكتاب شرفنامة أو اسم المؤرخ شرفخان بدليسي. لقد طبع كتاب شرفنامة حتى الان عدة مرات وترجم الى العديد من اللغات العالمية ويعتبره الكثير من الباحثين احد أهم المصادر التاريخية لشعوب الشرق. عندما طبع كتاب شرفنامة لأول مرة عام 1860 ميلادي كتب المستشرق زيرنوف مقدمة باللغة الفرنسية وضح فيها أهمية الشرفنامة بقوله: (القيمة العلمية لهذا التاريخ الكردي ليس محل شك فرغم مرور ثلاثمائة عام لا نجد في الشرق عملا علميا آخر يضاهي قيمته قيمة الشرفنامة) .أما ناشر الطبعة العربية لمترجم ملك مصر محمد علي عوني والذي ترجم الكتاب الى اللغة العربية وطبع في القاهرة عام 1930 ميلادي فيقول: (ومن الأدلة على قيمة هذا الكتاب تنويه الغربيين بجلالة قدره وعظمة شانه حيث قالوا انه أول نور لاح في سماء تاريخ آسيا فقاموا بترجمته وطبعه مع إننا معشر الشرقيين كنا أولى بنشره).
تشمل كتاب شرفنامة على مقدمة واربعة ابواب وخاتمة، يتناول المؤرخ في المقدمة تأريخ القبائل الكردية وأنسابها . ويبحث في الباب الأول حكام كردستان الذين رفعوا راية السلطنة فعدهم الباحثون في عداد السلاطين وهم حكام (دياربكر - آمد) - وجزيرة بوتان - ودينور وحكام اللر الصغرى واللر الكبرى وشهرزور وسلاطين مصر والشام من الأسرة الأيوبية الكردية . وفي الباب الثاني يتناول المؤرخ الأمير تاريخ الإمارات الكردية التي لم تكن مستقلة تماما عن تبعية الدولة العثمانية والصفوية الا ان حكامها كانوا احيانا يدعون تلاوة خطب الجمعة وسك النقود باسمهم وهم حكام إمارة أردلان وإمارة هكاري وإمارة بهدينان وإمارة بوتان وكوركيل وفنيك وحصن كيف . وفي الباب الثالث والذي يشمل تسعة فصول يبحث المؤرخ الكردي في تاريخ بقية أمراء كردستان من ملاطيه شمال غرب كردستان وحتى ضفاف مضيق هرمز جنوب شرق كردستان . وفي هذا الباب ايضا يتناول سيرة حكام إمارة بدليس من أجداده. اما الخاتمة فهي ليست اعتيادية إنما هي الجزء الثاني من الكتاب ويبحث فيه الأمير شرفخان ترجمة سلاطين الدولة العثمانية التركية والملوك الصفويين الفرس بل وتاريخ العالم المعاصر له. ويقول المؤرخون ان الخاتمة لا تقل أهمية عن الجزء الأول أو متن الكتاب لذلك عد شرفخان أبو المؤرخين الكرد والشرفنامة مصدر المصادر في التاريخ الكردي منذ بدايته وحتى عام 1005 للهجرة. إضافة لذلك زين الأمير كتابه بعشرين لوحة فنية رسمها بنفسه . وتدل هذه اللوحات الكردية بأن المؤرخ شرفخان بتليسي كان فنانا بارعا وهناك دراسات خاصة بهذه اللوحات الفنية التي تبين بعض عادات وتقاليد الكرد وطريقتهم في الصيد ونمط مجالس الأمراء الكرد وغير ذلك. كما ضمن المؤرخ شرفخان كتابه خارطة لكردستان في عصره.
هناك ترجمتان عربيتان لكتاب شرفنامة احدهما للمؤرخ الكردي محمد علي عوني والذي كان يعمل مترجما في ديوان الملك فاروق ملك مصر . والترجمة الثانية للمؤرخ الكردي محمد جميل روزبياني . وهناك الطبعة الفارسية أيضا .
إن كانت لديك معلومات أكثر عن هذا \ه العظيم\ة الكردي \ة، أو عن عظيم \ـة كردي \ـة أخر أرجو أن تمدنا بها أو بمصادر أخرى على العنوان التالي limatha83@gmail.com