ثورة الشيخ سعيد بيران أو ثورة الشيخ سعيد النقشبندية هي ثورة قامت في جنوب شرق تركيا ضد سياسة التتريك والتعسف التي انتهجتها حكومات مصطفى كمال أتاتورك المتعاقبة بحق الأقليات.
الشيخ سعيد بيران |
مارس الشيخ سعيد بن الشيخ محمود بن الشيخ علي بيران النشاط السياسي منذ تأسيس الجمعيات والمنظمات الكردية بين الأعوام (1908-1923)، وكانت له صلات وثيقة مع العائلات الوطنية كعائلة بدرخان بك وعائلة الشيخ عبيد الله النهري، بالإضافة إلى الزعماء الكُرد المعاصرين له.
قامت الحكومة التركية باعتقال بعض قادة جمعية آزادي الكردية مثل خالد جبران ويوسف زيا الذين وإعدامهم رمياً بالرصاص في مدينة بدليس في خريف 1924.
عندئذ، وقع الاختيار على الشيخ سعيد ليكون رئيساً للجمعية التي عقدت مؤتمراً في تشرين الثاني 1924 في حلب حضره علي رضا، ابن الشيخ سعيد ممثلا عن والده، إلى جانب معظم القادة الكُرد في تركيا وسوريا.
قرر المشاركون في المؤتمر الكُردي القيام بانتفاضة شاملة لانتزاع الحقوق القومية الكردية، على أن تبدأ في يوم العيد القومي الكردي، أي في يوم النوروز 21 آذار 1925.
ولكسب الدعم والتأييد للانتفاضة قام الشيخ سعيد بجولة في كردستان، قام أثناءها بحل الخلافات بين العشائر الكردية وإزالة العداوات والدعوة إلى الوحدة والاتفاق. وقد وصل في الخامس من شباط 1925 إلى قرية بيران برفقة مائة فارس، وتصادف وصوله مع وصول مفرزة تركية جاءت لاعتقال بعض الكُرد، وعندما طلب الشيخ سعيد من قائد المفرزة احترام وجوده، واعتقال من يشاء بعد أن يغادر القرية رفض الضابط التركي ذلك، فوقع صدام مسلح بين قوات المفرزة ورجال الشيخ، قتل فيها بعض الجنود الأتراك وأسر آخرون.
وعندما انتشر خبر تلك الحادثة ظن قادة الكُرد بأن الشيخ أعلن الانتفاضة، فهاجموا القوات التركية وسيطر الشيخ عبد الرحيم، أخو الشيخ سعيد، على مدينة كينج التي اختيرت عاصمة مؤقتة لكردستان، وانتشرت الانتفاضة بسرعة كبيرة ولفترة قصيرة على أراضي معظم كردستان (14 ولاية شرقية)، وبلغ عدد الكُرد المنتفضين حوالي 600 ألف، ساندهم خلالها حوالي 100 ألف من الشركس والعرب والأرمن والآشوريين.
فرض الثوار الحصار على مدينة ديار بكر التي صمدت في وجههم حتى وصول القوات التركية المعززة بالأسلحة الثقيلة، ولم يتمكن الثوار من السيطرة على المدينة رغم اقتحامهم لها، فأمر الشيخ سعيد قواته بالتراجع. وقد حاصرت القوات التركية الثوار ومنعتهم من دخول العراق وسوريا وإيران.
وفي أواسط نيسان 1925 تم اعتقال الشيخ سعيد مع عدد من قادة الانتفاضة التي خبت نارها شيئاً فشيئاً. وفي نهاية أيار حوكم الشيخ سعيد وقادة الانتفاضة الآخرون، وصدر حكم الإعدام بحقه مع 47 من قادة الثورة. نفذ حكم الإعدام فيهم في 30 أيار 1925.
وأمام حبل المشنقة قال الشيخ سعيد: "إن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها، ولست آسفاً قط عندما أضحي بنفسي في سبيل شعبي، إننا مسرورون لأن أحفادنا لن يخجلوا منا أمام الأعداء".
وقد بلغت خسائر الكُرد تدمير 900 بيت وحرق وإزالة 210 قرى، فيما وصل عدد القتلى إلى 15 ألفا، فضلاً عن نهب ممتلكات وثروات كل من وصلت إليهم أيدي الجنود الأتراك. أسفر قمع هذه الحركة عن تهجير مئات الآلاف من الكُرد والعرب والآشوريين إلى سوريا.
مقال أخر عن الشيخ سعيد بيران:
يوم 30 أيار 1925 الذكرى المشئومة لإعدام القائد الوطني الكُردي شيخ سعيد بيران الذي يشهد تاريخ منطقتنا بأنه كان رجل دين ودولة، لكنّ الظروف وقفت بالضد من إرادة ذلك الشيخ الجليل الذي أراد أن يفعل من الخير لشبه ولجيرانه لكنْ بدون جدوى، ففي ذلك الزمن الغابر وعلى أثر إنهيار الإمبراطورية العثمانية التي خلـّـفَتْ وراءها جمهورية كمال أتاتورك العلمانية، أستطاع الشهيد شيخ سعيد بيران رحمه الله وأدخله فسيح جنانه، أن يعي مرحلته التي كان يعيشها مع إخوانه في القومية والدين، وأن ينتفض في وجه الجهالة والظلم الاجتماعي والقهر القومي، بشكل متميز عن غيره من الشيوخ الآخرين المعاصرين لعصره.
فقد اجتمعت في شيخ سعيد مزايا كثيرة، أهما مقدرته على الجمع بين العبادة الدينية والسياسية الدنيوية عبر تسخير أحداهما في خدمة الأخرى والاثنتين معاً لصالح حقوق بني قومه المسلمين بغالبيتهم العظمى، وظل يكافح في هذا المسار المقاوم الذي أربك الأتاتوركيين الذين لاحقوه حتى أخر رمق في حياته التي أنقضت بالإعدام شنقاً حتى الموت على حلبة مشانق الجندرمة التركية التي لم تحترم لا مرتبته الدينية ولا شيبته ولا وقاره الأهلي ولا مكانته الاجتماعية المستمدة من أخلاقياته المحافظة ومن سيرته الذاتية الحافلة بعبادة الله وبخدمة الإسلام والمجتمع في الصرّاء والضرّاء.
ولم يتوقف الأتاتوركيون حينها عند حدّ إعدام ذلك الشيخ الورع والثائر بآن واحد، وإنما أطلقوا أيادي جندرمتهم التي تلطـّخت بدماء عشرات الآلاف من بنات وأبناء شعبنا الذي يشهد التاريخ على أنه تعرّض لشتى صنوف القتل العنصري والفتك الجماعي والتهجير القسري من قِبَـل الجيش التركي الذي غزا كردستان تركيا التي لم تسلم لا قراها ولا مساجدها ولا كنائسها ولا مزاراتها ومعابدها الأخرى من شرور أجهزة الدولة التي كانت تنتهك مختلف الحرمات تحت راية التأسيس للعلمانية وبذريعة بناء الدولة الحديثة على حساب الآخرين وعلى أنقاض السلطنة العثمانية التي إدّعت لنفسها الخلافة الإسلامية، ولعلّ أبرز المظاهر اللا إنسانية حينذاك قد تجلـّت بشكل مفضوح في المسلكية الجانحة للجنود الأتراك الذين كانوا يقتلون الرجال ويهجِّرون الشيوخ والنساء والأطفال، أما الأمهات الحوامل فقد كانت أرحامهن تـُبقـَر كي يمُتنَ قبل أن ينجبنَ أولاداً ذكور...!؟، ظناً من المعتدين بأنهم قادرين على التخلـّص من القومية الكُردية وإسكات صوت الحق الذي قد ينبعث من بقايا أبنائها الذين سلموا من تلك المجازر الجماعية.
وبما أنّ في ثنايا تاريخ أية أمة، رجال أشدّاء وأحداث بارزة وسطور عريضة ونقاط قاتمة وأخرى مضيئة، فأنّ للكورد كما لكل الأقوام البشرية تاريخ نضالي مشرّف قاده ثوار أشراف ضحّوا بأنفسهم قرباناً لمبادئهم التي آمنوا بها ولقضيتهم القومية التي آثروا أن يبلوروها ويوسّعوا دائرة نفوذها وأصدقائها، ويُعتبر شيخ سعيد بيران أحد أبرز أولئك القادة الشهداء الذين سطـّروا أسماءهم بدمائهم الزكية التي أنارت دروب الحرية جيلاً بعد آخر...!؟، إذ بإعدام شيخ سعيد مع لفيف من رفاقه الأبرار في باحة المسجد الكبير بمدينة ديار بكر (آمد) الكردستانية، دخل التاريخ الكردي طوراً جديداً، حيث تم التأسيس لمشروع قومي إستراتيجي كانت نواته هي مقولة شيخنا الشهيد العقلانية التي أطلقها كصيحة واقعية من فوق منصة الإعدام: "إنّ حياتي الطبيعية تقترب من نهايتها ولم ولن آسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل الله والوطن، وإننا مسرورون جداً لأنّ أحفادنا سوف لن يخجلوا منا أمام هذا الإعدام المشرّف"...ّ؟!.
وللعلم فإنّ شيخ سعيد بيران فتح أعينه على حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة والقراءة، ثم تابع دراسة الفقه والشريعة الإسلامية، وأصبح فيما بعد عالِماً يحقُ له تدريس الطلاب ومنحهم الشهادات والمراتب العلمية، وبعد وفاة والده انتقلت إليه الزعامة الدينية وأصبح مرشداً وسط صحبه، فيما بلغ عدد مريديه واتباعية حوالي (12) ألف شخص، ولم يكن الرجل شيخاً كلاسيكياً، وإنما كان عالماً إنسانياً واعياً وبعيداً عن الخرافات التي كان الناس يتلقونها من باقي المشايخ، ولم يقبل البتة بتقبيل يده أو الانحناء له وكان مجلسه يعج بالمثقفين والعلماء وبالرجال الأشداء، وقد بذل جهودا كبيرة في سبيل نشر العلم والمعرفة في كردستان وباقي مناطق تركيا، ويقال بأنه كان ينوي تأسيس جامعة أو أكاديمية في مدينة وان (van) على غرار الجامع الأزهر بالقاهرة، ولكنّ الزعماء الدينيين الكلاسيكيين وحكام تركيا وقفوا ضد محاولته النبيلة هذه.
أبحَـرَ شيخ سعيد بيران في بحور السياسة، منذ بداية القرن العشرين أي حينما بدت مرحلة تأسيس الجمعيات الثقافية الكُردية بين أعوام (1908 ـ 1923) تعرّف خلالها على العائلات الكردستانية الوطنية، كعائلة بدر خان بك وعائلة الشيخ عبيد الله النهري وغيرهما، وفي صيف عام (1925) أصبح رئيساً لجمعية آزادي التي قرّرت في مؤتمرها الأول المنعقد بحلب خريف عام (1924) القيام بانتفاضة شعبية لنيل الحقوق القومية الكُردية، على أن تندلع شرارتها الأولى في صبيحة عيد نوروز (21 آذار 1925م)، وبالفعل قام شيخ سعيد برفقة المئات من مناصريه بجولة وكردستانية واسعة لكسب الدعم والتأييد للانتفاضة، وقد وصل الشيخ سعيد في شباط الى قريته بيران وتصادف وصوله مع قدوم مفرزة جندرمة تركية قصَدَت اعتقال بعض الشبان الكرد، وعندما طلب شيخ سعيد من رئيس المفرزة احترام تواجده في القرية، وعدم اعتقال أحد إلا بعد أن يغادر المكان، لكنّ الضابط رفض طلبه، فنشب اصطدام مسلح بين الطرفين أدى لمقتل عدد من جنود المفرزة، وعندما أنتشر خبر تلك المعركة ظن بعض القادة الكُرد بأن الشيخ سعيد قد بدأ الثورة، فهاجموا القوات التركية وانتشرت الانتفاضة بسرعة كبيرة وعمّـت خلال فترة قصيرة معظم أراضي وكردستان وازدادت أعداد الثوار من الكُرد والشركس والعرب والأرمن والأشوريين.
وقد ظلّ شيخ سعيد يقاوم الجندرمة بشجاعة، لكنّ الثوار الكُرد لم يستطيعوا الصمود طويلاً أمام التقنيات الحديثة للقوات التركية التي عدّت عدّتها واحتشدت وهاجمت الثوار في ديار بكر وحاصرتهم ومنعتهم من الالتجاء إلى العراق وسوريا وإيران، وفي أواسط نيسان من العام ذاته تم اعتقال شيخ سعيد وأسره ومحاكمته صورياً مع (47) من رفاق دربه الآخرين، وعلى الفور أصدرت المحكمة التركية حكم الإعدام بحقهم وجرى تنفيذ الحكم بأجسادهم الطاهرة في 30 حزيران 1925م. في الختام لا بدّ من التذكير بأنّ أمثال الشهيد شيخ سعيد بيران هم قادة عظماء بعظمة التاريخ، ولذا ينبغي على مختلف علماء ديننا السمح وسياسيي دنيانا التي يبنغي أن تبقى عامرة، أن يحذوا حذوهم ويسيروا وفق خطاهم وعلى هدى أفكارهم الإسلامية الحقيقية المبنية على القيم الإنسانية والروحية التسامحية المرشدة لنصرة الحق وإزهاق الباطل، بعيداً عن لغة تكفير الآخرين والإفتاء بهدر دمائهم البريئة تحت أية حجة، سواءً أكانت قومية أو دينية أو طائفية أو غيرها
إن كانت لديك معلومات أكثر عن هذا \ه العظيم\ة الكردي \ة، أو عن عظيم \ـة كردي \ـة أخر أرجو أن تمدنا بها أو بمصادر أخرى على العنوان التالي limatha83@gmail.com