مهدي كاكه يي 2015 / 9 / 9
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (24)– أسلاف الكورد: الميديون
الملك الميدي كَيخَسرَو (625 – 585 ق.م)
الملك الميدي كَيخَسرَو (625 – 585 ق.م) |
من المرجح أن الإسم (كَيخَسرَو) كان لقباً لِملوك الميديين، حيث أن الإسم متكون من ثلاث كلمات والتي لا تزال اللغة الكوردية تحتفظ بها، وهي: (كَي) و (خاس) و (رَو). كلمة (كَي) تعني (سيد)، حيث أن كلمة (كاك أو كَكێ-;-) تُستعمل في اللغة الكوردية قبل ذكر إسم الشخص إحتراماً له. كلمة (خاس) تعني (جيد) وهذه الكلمة لا تزال باقية في اللهجة اللورية والهورامية ولقد تحوّل حرف الألف في كلمة (خاس) الى علامة الفتحة (خَس). كلمة (رَو) تعني (سلوك). هكذا فأن إسم (كَيخَسرَو) يعني (السيد أو النبيل المحترم) وبالضبط يعني "صاحب الجلالة" المتداول كَلَقب مَلِكي في الوقت الحاضر. لقد تم تحوير هذا اللقب في المصادر العربية الى (كِسرى) و في المصادر الفارسية الى (كَيخُسرَو). (كَيخَسرَو) هو إسم شائع بين الكورد.
بعد مقتل الملك الميدي (فراورتيس) خلال هجومه على العاصمة الآشورية، نينوى، إستلم الحكم إبنه ) (كي أخسار Kyaxars "كَيخَسرَو")، حيث كانت بلاد ميديا آنذاك تحت الإحتلال الإسكيثي. كان (كَيخَسرَو) ملِكاً حكيماً وطموحاً، حيث كان يطمح ليس فقط في تحرير ميديا من الهيمنة الآشورية، بل كان أيضاً يريد أن تصبح ميديا مملكة قوية مهيمنة في منطقة غرب آسيا. لتحقيق أهدافه، وضع (كَيخَسرَو) إستراتيجية متكاملة تضمنت ما يلي:
1. القيام بتوحيد القبائل الميدية بشكلٍ أشمل مما كانت الحالة في عهد والده وجدّه وإيجاد سلطة مركزية تخضع لها هذه القبائل، وإسكان القبائل الرحّل في مناطق ذات أراضٍ خصبة، صالحة للزراعة وبث روح التحرر من السيطرة الآشورية في نفوس هذه القبائل.
2. إعادة تنظيم الجيش الميدي: كان (كَيخَسرَو) هو أول من أسس الجيوش النظامية في بلاد ما بين النهرَين و في قارة آسيا، حيث قام بِتقسيم الجيش الى وحدات مستقلة، تبعاً لِصنوفها، مثل وحدات حملة الرماح ووحدات حملة السِهام ووحدات الخيالة والفرسان.
كما قام بِتدريب هذه الوحدات العسكرية تدريباً جيداً. كان الميديون يغمسون سِهامهم بِخليط من الزيت والنفط لتكون السِهام قادرة على إحراق الأهداف التي تُصيبها. قيام (كَيخَسرَو) بهذا الإعداد الممتاز للقوات المسلحة الميدية، كان ناتجاً عن إدراكه بأن التحرر من حكم الإسكيثيين والإنتصار على الجيش الآشوري القوي والمنظّم، يتم بإيجاد جيشٍ متطور ومتفوق على جيوش أعدائه. كما قام (كَيخَسرَو) بإضافة فنون جديدة الى صنوفه، مثل رُماة السِهام وفِرَق المشاة و تشكيل فِرَق جديدة التي تضمنت فِرَق سلاح الفرسان وفِرَق الرِماح وإدخال عربات، تمّ تركيب المناجل في عجلاتهاa، حيث أصبحت هذه العجلات جزءاً من الموروث الشعبي في بلاد ميديا و في منطقة غربي آسيا وأصبحت مادة مشهورة في الحكايات البطولية في أساطير شعوب المنطقة. فيما يتعلق بتنظيم وتطويرالجيش الميدي، إقتبس الملك (كَيخَسرَو) بعض الأساليب الحربية المتطورة من الإسكيثيين.
3. في البداية إستطاع (كَيخَسرَو) أن يُنهي التبعية الميدية للإسكيثيين وبناء علاقة متكافئة معهم، حيث أصبح حليفاً للملك الإسكيثي (پروتوثياسProtothyas ). بعد ذلك فكّر بالتخلص من الخطر الإسكيثي، حيث أن الإسكيثيين كانوا عادةً يطعنون الميديين من الخلف خلال مواقفٍ مُحرِجة. لتحقيق هذا الهدف، قام (كَيخَسرَو) بِدعوة زعماء القبائل الإسكيثية وحلفائهم الكميريين وزعماء القبائل الآرية الأخرى الى وليمة أُقيمت في قصره في العاصمة الميدية (جَمَزان). عند حضورهم وإكثارهم للشراب، أمر بِقتلهم، وبذلك إستطاع أن يتخلص منهم ومن تهديداتهم للبلاد الميدية1.
4. القيام بالتحالف مع الجارة الجنوبية، إيلام والجارة الغربية، بابل. بعد أن وطّد (كَيخَسرَو) أركان مملكته، عقد تحالفًا مع الملك البابلي نابوبولاصّر (627 - 605 قبل الميلاد) ضد عدوهما المشترك، مملكة آشور2، وكان قد تمّ تعيين (نابوبولاصّر) حاكماً على بابل من قِبل الملك الآشوري آشور بانيپال، لكنه استقلّ عن مملكة آشور، وكان من مصلحته أن يتحالف مع الملك الميدي، ليستطيع الوقوف ضد الآشوريين، ويحرر بلاده.
بعد قيام (كَيخَسرَو) بتنظيم البيت الميدي وتأسيس جيش قوي ومُسلح بأسلحة متطورة والتخلص من التهديد الذي كان يُشكله الإسكيثيون على مملكته وبعد توطيد تحالفه مع البابليين والإيلاميين، أخذ يوجّه أنظاره نحو خارج مملكته، وخاصة نحو بلاد آشور. في هذا الوقت كانت بلاد (أورارتو) مضمحلة بسبب حروبها ضد الآشوريين، التي أنهكتها وأضعفتها، فإنتهز الميديون الإضمحلال الأورارتي فَورثوا الأراضي الأورارتية وأخذوا يتوسعون منها نحو بلاد آشور.
يذكر المؤرخ (ديودورس الصقلي) بأنه بتشجيع من الملك الميدي (كَيخَسرَو)، قام الزعيم الكلداني البابلي ) بيلينيس "نبوبولاصر"( بالهجوم على بلاد آشور، حيث قام بِطرد الحامية الآشورية من مدينة نفَر (نيپور) خلال نهاية حكم الملك الآشوري (آشور بانيبال) وتسلّم الحكم في آشور من قِبل الملك (آشور- إتيل- يلاني) في سنة 630 قبل الميلاد.
تمرُّد القائد (سين- شوم- ليشر) على الملك االآشوري (آشور- اتيل- ايلاني) وسيطرته على عرش آشور3، التي تذكرها إحدى النصوص البابلية، جعل بلاد بابل بدون ملِك خلال الفترة الممتدة بين موت الملك (آشور- إتيل- يلاني) في نهاية عام 628 قبل الميلاد و بداية عام 627 قبل االميلاد حتى إعتلاء (سين – شار – اشكن) العرش الآشوري في نهاية عام 627 قبل الميلاد، وكذلك إعتلاء العرش البابلي من قِبل (نبوبلاصر) في عام 626 قبل الميلادb. لهذا السبب نجح (نبوبلاصر) في السيطرة على بلاد بابل وإستطاع الأمير الآشوري (سين- شار- اشكن)، الإبن الثاني للملك الآشوري (آشور بانيبال) أن يعتلي العرش في نفس السنةc.
المصادر
1. هيرودوتس (1886). تاريخ هيرودوتس. ترجمة حبيب افندي، مطبعة القديس جاورجيوس، بيروت.
2. علي، عادل هاشم (2012). الميديون ودورهم في تاريخ العراق القديم. طهران، صفحة 126.
3. بصمة جي، فرج (1972). كنوز المتحف العراقي. بغداد، صفحة 57.
المراجع
a. Izady, Mehrdad R. The Kurds: A Concise Hbandbook. Washington & London, Taylor & Francis, 1992, page 33.
b. Grayson, A. k.(1975). Assyrian and Babylonian chronicles. New york, p. 88 .
c. Openheim, L.(1964). Ancient Mesopotamia. London, p. 341.