العظماء الكُرد العظماء الكُرد

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

إسماعيل آغا الشكاكي (سمكو)

بقلم: عوني الداوودي

إسماعيل آغا الشكاكي (سمكو)
إسماعيل آغا الشكاكي (سمكو)

شغلت حركة سمكو آغا صفحة بارزة في سجل تاريخ إيران المعاصر، فالحديث عن سمكو آغا، يعني بالضرورة الحديث عن كُردستان وإيران في أحرج المراحل التي مرت بها المنطقة قبل وإبان وبعد الحرب العالمية الأولى، وبالرغم من إعلان إيران الحياد، إلا أن أراضيها تحولت طيلة سنوات الحرب إلى ساحة قتال بين جيوش الجبهتين المتحاربتين، بما فيها أراضي كُردستان إيران، التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحرب في ميدان الشرق الأوسط، كما يقول م . س . لازريف، وفي رأينا أنه بدون دراسة علمية لمختلف مراحل حركة سمكو آغا، ستظل إحدى الحلقات مفقودة لدراسة تاريخ كُردستان إيران. سنحاول هنا إلقاء الضوء على جزء من الأحداث البارزة التي مرت بها حركة سمكو آغا، وشخصيته وعشيرة الشكاك التي ينتمي إليها . 


سمكو هو التحريف الكُردي لـ إسماعيل، فهو إسماعيل آغا أبن محمد باشا أبن علي خان أبن إسماعيل خان. ومن المتبقين من نسله، أبنه خسرو، وهو متقاعد الآن، ويعيش في اسطنبول، أما أبنته صفية خان زوجة شيخ جتو بن سيد طه الشمزيني، فيعيشان في أربيل في جنوب كُردستان "العراق" وعن عشيرة الشكاك يقول العلامة محمد أمين زكي بك : " تبلغ ستة آلاف أسرة سيّارة، عشيرة شهيرة تقطن ثلاثة شهور في بيوت الشعر، موطنها غربي بحيرة أورمية على الحدود، وكان إسماعيل آغا المعروف بـ سمكو رئيس هذه العشيرة، وفروعها: شفكي، بوتان، شوه لي، شكاك" .

ويقول مارتن فان برونسن عن هذه العشيرة : " إن عشيرة شكاك تأتي بعد عشيرة كه لهر، التي تعيش غرب كرمنشاه، والشكاك تعيش في المناطق الجبلية من سوما وأورمية، وكان تعدادهم في عام ١٩٢٠ حوالي ألفين أسرة . 


استطاعت هذه العشيرة أن تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، وفي مراحل عديدة خارج المناطق التي تعيش فيها، منذ أيام الجد الأكبر لـ سمكو" إسماعيل خان " لما تميزوا به من خصال قتالية نادرة، وهذا ما جعل غالبية رؤوساء هذه العشيرة، تصمد وتقاتل ضد الإيرانيين، وفي أحيان أخرى ضد الترك. 

لعب سمكو آغا دوراً بارزاً في النضال التحرري الكُردي، وكانت حركته تستهدف التحرر القومي، ويرجع تاريخ بروز إسماعيل آغا الشكاكي " إلى سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى، ولا سيما بعد أن قتلت السلطات الإيرانية شقيقه الأكبر جوهر آغا غيلة في العام ١٩٠٥، لاتصاله بالثوريين الإيرانيين، فمنذ ذلك الوقت أصبح سمكو على اتصال وثيق بعبد الرزاق بدرخان وبالروس الذين أشاروا إلى أسمه ونشاطاته في وثائقهم الدبلوماسية، وقد ورد عنه في تقرير روسي خاص : تقريباً منذ العام ١٩١٤ أصبح أسم سمكو معروفاً على نطاق واسع في الدوائر الدبلوماسية الروسية، والبريطانية، والإيرانية، والتركية ، ففي سفارة كل واحدة من هذه الأقطار وكذلك في وزاراتها الخارجية ملف كبير عن سمكو. 

إن هذا التقرير يعطينا صورة واضحة عن الدور الذي لعبه سمكو، وهذا ما جعل رضا خان ( شاه لاحقاً ) وفي البداية حين تسلم السلطة في إيران، ولإدراكه مدى تأثير وقوة ونفوذ سمكو آغا، أن يعقد علاقات صداقة معه، تظاهر بالاحترام والتقدير لشخصيته، ولم يستطع رضا خان أن يعلن نفسه شاهاً، إلا بعد أن قضى على حركتي سمكو في كُردستان، وخزعل في عربستان . 

تحمس الروس إلى إقامة علاقات ودية مع سمكو، وفي المقابل تعاون سمكو مع الدبلوماسيين الروس، وسعى إلى نيل العون منهم، ومن ناحية أخرى كانت الصحافة البريطانية تعتبر سمكو : روبن هود الشرق، وفي الحقيقة كان هذا اللقب يطلق أيضاً على شقيقه الأكبر جوهر آغا، وعن سياسة سمكو آغا يقول مارتن فان برونسون : " ومن أجل أن تبقى الأبواب جميعها مفتوحة أمامه، تبنى سمكو في سنوات الحرب العالمية الأولى سياسة تميزت بهدوء نسبي، ولكن بعد انتهاء الحرب، تحول سمكو إلى أبرز عنصر في النضال التحرري الكُردي الإيراني الذي تعمق مضمونه وتحددت أهدافه أكثر، ليتحول إلى ظاهرة بارزة في تاريخ إيران السياسي، خصوصاً بعد ظهور رضا خان فوق المسرح، والذي تبنى سياسة لا ديمقراطية تجاه المسألة القومية الملتهبة دائماً بحكم واقع إيران ". 
وكان إسماعيل آغا الشكاكي على اتصال وثيق بعبد الرزاق بدرخان أحد أعضاء الأسرة البدرخانية، والشيخ نهري من شمدينان، وسيد طه بن عبيد الله ، وفي حرب ١٩١٤ عقدوا اتفاقية مع الحكومة القيصرية الروسية، وتحالفوا فيما بينهم لخوض النضال المشترك من أجل تأمين حقوق شعب كُردستان القومية، وبعد انتهاء الحرب، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ حركة سمكو آغا، فبعد بسط سيطرته على أورمية والمناطق المجاورة، بدأ بإصدار جريدة سماها في البدء " روزي كورد شه وي عه جه م " أي نهار الكُرد أو شمس الكُرد، ليل العجم " ومن ثم غير الاسم إلى نهار الكُرد، وأخيراً إلى الكُرد ، وأسدى رئاسة تحريرها إلى الشيخ محمد تورجاني من أهالي قزلجة، كان ذلك في عام ١٩٢٠، وهذا يدل على أن سمكو آغا كان يدرك دور وأهمية الصحافة والإعلام، ومن المفيد ذكره أن محاولات سمكو لإصدار صحيفة كُردية ترجع إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، وذلك عندما ساهم مع صديقه عبد الرزاق بدرخان على إصدار مجلة كُردستان في مدينة " خوي " وعندما ألقي القبض على عبد الرزاق بدرخان من قبل روسيا القيصرية وتم أبعاده، تبنى سمكو وحده إصدار تلك المجلة، أما بالنسبة لعلاقات سمكو مع القوى التي كانت في المنطقة والدول المجاورة، فلم تكن جيدة، حيث فشل في بناء علاقات صداقة مع الإنكليز وذلك لتخوف الإنكليز من التورط في المشاكل الكُردية مع إيران من جهة، وحرصاً على عدم استقرار تركيا من جهة ثانية، وفي الحقيقة فإن موقف الإنكليز المناور، أصاب سمكو بخيبة أمل كبيرة، من باب ترحيبهم بالانتصارات الإيرانية عليه في مهاباد، واحتلال مقرهم الرئيسي في جهريق. كتب أدمونس : " أنه اندهش ( أي سمكو ) لمدى اهتمامنا بالفرس، رغم أنهم كانوا يتعاونون على طول الحدود مع الأتراك الذين طردونا من راوندوز ورانية، والذين كانوا لا يزالون يحاربوننا علناً " . 

أما مع تركيا فكانت علاقاته بين مد وجزر، وسنأتي على ذكرها لاحقاً، وبالنسبة لإيران فكان في عداء وحرب مستميتة، أنتصر عليهم في الكثير من الأحيان واستطاع أن يبسط سيطرته على أماكن شاسعة ومدن كبيرة، سابلاغ ، أورمية، سلماس، بانه، وسرده شت، وغيرها، وفي المقابل استطاع الإيرانيون أن يهزموه في أحياناً أخرى حتى وصل به الأمر أحياناً إلى اللجوء إلى الأراضي التركية والعراقية . 

في العام ١٩٢٠، أسس سمكو آغا جمهورية مستقلة باسم " جمهورية آزاد ستان " أي " جمهورية الحرية " ودامت عدة أشهر فقط، وكانت الدول المجاورة لا تثق بـ سمكو ، وتدرك مطامحه من أجل بناء كيان كُردي، وصعوبة ترويضه، ليكون ورقة بأيديها تستعمله كيفما تشاء، ومن أجل ذلك كانت ترغب في التخلص منه في أي فرصة سانحة. ففي شهر آب من عام ١٩٢٢ ، وعندما هُزم من قبل الإيرانيين، أضطر إلى اللجوء إلى الأراضي التركية " كُردستان تركيا" وكان يتوقع بأن يساعده الترك، لأنه تعاون معهم في عدة مواقع سابقة، لكنه فوجئ بأنه محاصر، وقتلت زوجته في تلك المعركة، وأخذ أبنه خسروا أسيراً، فاضطر أخيراً إلى اللجوء إلى الأراضي العراقية " كُردستان العراق " . وتبدو وجهة النظر التركية جلية حول سمكو آغا، في الوثيقة التالية : 

ديار بكر ١٤ /٦ /١٣٣٨ هـ
إلى القائد مقام يوزدمير بك
استخبارات . نومرو ١٧٤٥ 

١- سيمتقو " كان الأتراك يلقبونه بـ سيمتقو " رجل محتال، وماكر، وبمهارته يخفي الخنجر الذي سيشهره علينا في حينه، أن هذا الرجل يحمل فكرة الاستقلال في رأسه، وأنه يحاول ألا يقطع علاقته بنا إلى حين تمكنه، وازدياد نفوذه وقوته في إيران، ويصل إلى أهدافه ومآربه . 

٢- إن ازدياد سلطة سيمتقو داخل العشائر الكُردية بهذه الصورة، تجري في غير صالح حكومتنا الشعبية " المقصود حكومة مصطفى كمال " لكن في نفس الوقت ليس من مصلحتنا أن نهاجمه، ونقطع علاقاتنا معه في الوقت الحاضر، لكنكم لو تستطيعون " يوزدمير " أن تبدؤوا بحملة دعاية واسعة ضده " تأليب العشائر الكُردية عليه " وفي الحقيقة أنكم بهذا العمل ستقدمون خدمة جليلة للحكومة . أنشروا بين الناس بأن سيمتقو يقاتل بمال الإنكليز، والدم الكُردي يذهب هدراً لمصلحة الإنكليز ومصلحته فقط . 

هكذا كان الأتراك يعملون في الخفاء ضد سمكو، وفي نفس الوقت كانوا يظهرون له الود والاحترام، ويمدونه بالمال والسلاح، ويبدو بأن مثل هذه السياسات لم تكن تنطلي على سمكو آغا بسهولة، فمن خلال الحوار التالي بينه وبين مصطفى باشا يامولكي تتبين لنا كيفية تفكيره وعلاقته بالأتراك : 

* حسناً أنت تناضل من أجل الحقوق القومية للكُرد، وبناء الاستقلال لهم، لماذا لا تبدأ أولاً بمناطق، وان، أرضروم، بتليس، هكاري، خربوت، وتحريرها من ظلم وجور مصطفى كمال ؟ لماذا لا ترفع راية خاصة بك، وتعلن للآخرين أهدافك؟ وبأن هذه الحركة ليست لإراقة الدماء. كما يشاع، بل أن هدفك الأسمى هو التحرير بصورة سلمية. لماذا لا تحاول التفاوض مع الفرس ؟. 

* أنا أفضل أن أبداً من إيران، وليس من الحكمة أن أكون في خصام مع الأتراك في الوقت الحاضر، فضلاً عن هذا، فهم يمدوني بالسلاح والعتاد، وليس من الضروري في الوقت الحاضر نشر البيانات والنشريات، ومن جانب آخر سمعت بأن الأوربيين على خلافات وصراعات فيما بينهم، ومن أجل هذا يجب أن نناضل ونعتمد على أنفسنا، ولا نسمح أبداً بعودة الفرس إلى أورمية وسابلاغ " هذا يعني بأنه كان يسيطر على هذه المناطق في تلك الفترة التي كان مصطفى باشا اليامولكي في زيارته، أي عام ١٩٢١ ونحن بدورنا لن نستسلم أبداً، ولطالما بقي شكاكي واحد سنقاوم " . وفي اليوم التالي ٢٠ /١٠ /١٩٢١ يستمر النقاش طويلاً بينهما : 

جناب إسماعيل آغا، إن اليوم ليس مثل أيام عبيد الله، وإن ما يحدث في كُردستان يجلب انتباه الدول الأوربية، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية تعلم بما يجري هنا، وأن دولة عظمى مثل بريطانيا التي تحكم الآن في السليمانية والمنطقة تنتبه إلى ما يحدث في الحركة الكُردية، وما لا يوافقها ستقف ضدها عسكرياً وسياسياً. صحيح إنكم تنسقون جيداً مع الترك في أناضوليا، لكن إذا لم يحالفهم الحظ وهزموا فسوف تخسرون أيضاً، وما من معين يساعدكم، وكما تعلم فإن حركة مثل حركتكم، لا تستطيع أن تحقق أهدافها ومطامحها، دون مساندة ودعم دولة أوربية، لا سيما أن بريطانيا أصبحت اليوم جارة لنا، كما أن جلالة السلطان محمود الثاني يعتبر ما يقوم به القوميين الأتراك ـ حركة أناضوليا ـ خارجة عن القانون، ومن أجل هذا تقدم اليونانيون تجاه " أنكور "، وهم مستعدون للقيام بعملية ضدهم، وفي أناضوليا هناك الكثير ممن يرحبون بقدومهم، وقد طلبوا منهم احتلال المنطقة، لأنهم يكرهون القوميين الأتراك، ويجب ألا ننسى بأن القوميين الترك هم ألد أعداء الكُرد، وقد كبدوا الكُرد خسائر فادحة منذ عام ١٩٠٨ وإلى الآن، وعلى كل حال فإن اليونانيين هم أفضل من الأتراك بالنسبة لنا، على الأقل هم متحضرون، وليسوا متخلفين وجهلة مثل الترك، ومن الأفضل أن تبني جسور العلاقة معهم، وأن تٌعلم الإنكليز بذلك، ومن أجل أن تحل مشاكلك مع الدولة الإيرانية، أتصل بهم، وأستفد من الأخطاء والفرص المتاحة، وحاول أن تتفاهم وتتفق في تلك المناطق التي لا يوجد فيها البريطانيون أو الأوربيين، وحسب مداركي إذا اتبعت هذا الخط، فسيستجيب الأوربيون لمطالبك.

فيرد عليه إسماعيل آغا :


وأنا أيضاً أمقت القوميين الأتراك، وأعلم بأنهم أشد عداوة من الفرس بالنسبة للكُرد. بعثت بعدة رسائل إلى الإنكليز، وأبلغتهم بأنني لا أقف ضد سياساتهم، ونحن بحاجة إلى مساعداتهم دوماً. ليقف الإنكليز بجانب الكُرد، وأنا سأفي بالتزاماتي وأتعاون معهم، نحن بحاجة إلى العتاد والسلاح، وإذا لم يسعفونا من هذه الناحية، سأقع في مشاكل كبيرة جداً. بعثت سيد طه إلى بغداد ولكن دون جدوى، والآن أنا وسيد طه سنوكلك للتحدث معهم، فإذا استجابت الحكومة الإنكليزية بنفسها، أو عن طريق أصدقائهم البشدريين ـ بابكر سليم آغا ـ وأمدونا بالسلاح والعتاد، دون أن يضعونا تحت رحمة ضباطهم، نستطيع أن نحتل ونحرر، وان، أرضروم، سيواس، وهكاري، وننظف المنطقة من الأتراك، وعند ذاك سنلقن هؤلاء الذين في راوندوز درساً كبيراً ـ يقصد الأتراك ـ هذا هو اقتراحي، ولكي تكون مطمئناً أعدك بأننا صادقون في هذا الحوار. وقبل أن يختتم سمكو كلامه يسترسل : نحن نستطيع أن نبسط سيطرتنا على أنكور، وإذا لزم الإنكليز الصمت، سنحتل سنه " سنندج " في وقت قريب " . 

ذهاب إسماعيل آغا إلى السليمانية :

لم يكن ذيوع صيت إسماعيل آغا محصوراً في شرق كوردستان ( إيران ) فقط، بل طافت شهرته جميع أرجاء كُردستان. وفي عام ١٩٢٣ زار مدينة السليمانية، وعقد علاقات طيبة مع الشيخ محمود الحفيد، وكان الشيخ في أوج عظمته آنذاك، ويخاطبه في مراسلاته بـ " قهرمان كوردستان حضرت إسماعيل آغا ــ أي حضرة إسماعيل آغا بطل كُردستان " . ولأهمية تلك الزيارة، وشعبية سمكو وحب الأهالي له، أستقبل بحفاوة بالغة على المستويين الشعبي والرسمي. كتبت جريدة روزي كُردستان في العدد ٨ المصادف ١٠ /١ /١٩٢٣ تقول : 
قبل أسبوع تحرك جناب وحضرة كاتب المجلس الملوكي ـ كاتب الديوان الملكي، طاهر أفندي مع قوة مؤلفة من الفرسان الخيالة، لاستقبال حضرة قهرمان كُردستان، جناب إسماعيل آغا. 

ففي ٨ ١ ١٩٢٣، تعطلت الدوائر الرسمية عن العمل، إحتفاءً بقدوم جناب الآغا، وأن جميع السادة الكرام ومأموري العساكر الملكي، ورؤساء الدوائر، والأشراف، والأهالي المحترمين، إنطلقوا، راكبين، وراجلين، إلى ضواحي المدينة لاستقبال جنابه، كما ذهب جناب رئيس الداخلية، مع جناب كابتن جيمن، وكيل فخامة المندوب السامي راكبين السيارة، وسائر رؤساء العشائر، الذين كانوا متواجدين في مدينة السليمانية، وكل مع مجموعته ودائرته، وبصورة منظمة اصطفوا في مراسم الاستقبال، وكان فخامة الملك المعظم الشيخ محمود وحاشيته في استقبال إسماعيل آغا، فكان اللقاء في ضواحي المدينة، لقاء حميماً، أخذ إسماعيل آغا موقعه بجانب الملك إلى داخل المدينة. كان الضباط والعساكر الكردستانيين المنصورين، واقفين بصورة منّظمة خارج المدينة للاستقبال، وكانت الأناشيد الوطنية " في النص الأغاني الوطنية " تغنى بصوتٍ عال ٍ، وكان الجمهور يهتف بموفقية وتقدم الحكومة الكُردية. بعد ذلك قام جلالة الملك المعظم، وحضرة الأغا إسماعيل، باستعراض الحرس الملكي، ومن ثم أودع إسماعيل آغا في المكان المخصص له. 
وتختتم الجريدة وقائع الاستقبال بقولها :

* في الحقيقة أنه ليوم تاريخي، ومهما قلنا لا نستطيع أن نثني على ما يقوم به إسماعيل آغا من خدمة للوطن. لكن باسم عموم الشعب نرحب بحضرة وجناب بطل كُردستان، ورفاقه المحترمين. 

ونشرت الصحيفة نفسها في العدد ٩ ، المصادف ١٧ /٢ /١٩٢٣ الإيضاح التالي : 
[ عند دخول بطل كُردستان إسماعيل آغا إلى مدينة السليمانية، أطلقت سبع طلقات من المدافع، ترحيباً بهذه الشخصية، فنرجو المعذرة لعدم ذكر هذه الواقعة في العدد الذي نشرنا فيه وقائع الاستقبال ] 

محاولة اغتيال سمكو آغا : 

عندما يئس الإيرانيون من القضاء على سمكو بالأساليب العسكرية، والمؤامرات السياسة، والدسائس وتأليب رؤساء العشائر عليه، لجئوا إلى أساليبهم القديمة، أسلوب الحيلة والغدر، فقد تفتق في هذه المرة ذهن أحد قادة الإيرانيين على حيلة وهي إرسال قنبلة موضوعة داخل علبة حلويات إلى سمكو آغا، وقد اتفقت الروايات جميعها حول هذه الحادثة، وهي باختصار: 

كلف محمد على شازاده ولي عهد تبريز عبد الملك ـ مكرم الملك، بأن يعمل أي شئ في سبيل القضاء على سمكو، فتبنى الأخير المهمة، فكلف بعضاً من الأرمن بصنع قنبلة، وتثبيتها داخل علبة جميلة، لغرض الاغتيال. ويذكر عن سمكو شخصياً : " عندما أحضروا علبة الحلويات على أنها هدية من حماتي إلى أسباطها، أصر ولدي على فتحها، لأنها هدية من جدته، لكنني تذكرت في تلك اللحظة قصة اغتيال ( شجاع نظام ) والطريقة نفسها، فتملكني الشك في هذه الخطة الخبيثة، وفي هذا الأثناء حاول البعض فتح العلبة، وبمجرد فك الشرائط، لمحت شرارة صغيرة قد أندلعت، وبسرعة فائقة رميت بالعلبة بعيداً، واحتضنت أبني، وألقيت بنفسي على الأرض، ثم انفجرت العلبة " . نجا إسماعيل آغا من محاولة الاغتيال، لكن ذهب أخواه، علي وخورسيد ضحية هذه المؤامرة . 


إسماعيل آغا الشكاكي "سمكو" مع مقاتليه
إسماعيل آغا الشكاكي "سمكو" مع مقاتليه


مقتل مار شمعون : 

بالرغم من قصر حياة سمكو آغا، إلا أنها كانت حافلة بالأحداث والغموض، والملابسات، ومما لا جدال فيه أنه كان يتمتع بمواهب قيادية، وككل سياسي وعسكري في آن، أصاب في الكثير من الأحيان ونجح، وفي المقابل أخطأ مرات ٍ عدةٍ، ومن كبرى أخطائه التي لم يغفرها له التاريخ، هي حادثة اغتيال البطريرك مار شمعون، الزعيم الروحي والسياسي للآشوريين. 

يتفق معظم الذين كتبوا حول حادثة مار شمعون، على أن الإيرانيين كانوا وراء حادث الاغتيال . يقول البرفسور الآشوري قسطنطين بيتروفيج : " عندما علم محافظ تبريز مهدي الشمس بهزيمة المسلمين، بعث مباشرة برسالة إلى سمكو، جاء فيها إذا قتل البطريرك مار شمعون، فأنه سيحظى برضى الحكومة الفارسية . " 

وهذا ما يؤكده المؤرخين. فبعد مقتل مار شمعون، هجم الأشوريون بتعداد ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة الأمير كوزمين وداويد أخ البطريرك ، الذي كان بصحبة مار شمعون ونجا، والملوك برخو وإسماعيل وخوشابا وأوشانا، هجموا على قرية كوهنه شه، فاحتلوها، وقتلوا الكثير من المسالمين، وعثروا في منزل سمكو على وثائق تشهد على تآمر الحكومة الإيرانية مع سمكو ضد مار شمعون. وفي رده على سؤال مصطفى باشا اليامولكي حول حادثة اغتيال مار شمعون، والظروف التي أحاطت بها ، أجاب سمكو آغا:

أنك تعلم لا شك، بما فعله الأتراك والروس بالأكراد أبان الحرب العالمية الأولى، والآن سأوضح لك أسباب اغتيال مار شمعون ، في المعارك التي دارت رحاها في شمال كُردستان بين الأتراك والأرمن، أنحاز الآشوريون إلى الأرمن، وساعدوهم في المعارك، وباندلاع ثورة روسيا ـ أكتوبر، سحب الروس قواتهم من سابلاغ وأورمية، وتركوا للآشوريين كميات كبيرة من البنادق والمدافع والعتاد ومخازن السلاح، كان البعض من الضباط الروس، الآشوريين، والبعض من الأوربيين العاملين في كُردستان يعلمون بأن إيران قد وهنت والسلطة قد ضعفت، وقلتْ الموارد الاقتصادية، ولذا فلا تستطيع الدفاع عن نفسها، فلم يضيع الأشوريون هذه الفرصة الثمينة من أيديهم، وبما أن أذربيجان منطقة إستراتيجية للأرمن والأتراك والفرس فاستولوا عليها، وبعد الانتصار الذي حققوه، أعلنوا الاستقلال، وطلبوا مني المساعدة لتنسيق القوى، لندخل معاً إيران، ووعدتهم بدوري لكن الإيرانيين علموا بذلك، فجاءني ممثل عن الحكومة الإيرانية وطلب مني ألا أساعد الآشوريين، مقابل الصلح والمفاوضات، وفي نفس الوقت كنت على علم بمآرب الآشوريين، ومطامحهم في بسط نفوذهم على شمال كُردستان واحتلالها، ولهذا قتلت مار شمعون، ومن ثم تراجع الإيرانيون عن وعودهم فقمت بالمقابل بالهجوم على أورميه، وبسطت نفوذي عليها، وإدارتها من قبل رجالي. " 

يتضح من جواب سمكو آغا، بأنه كانت هناك عدة أسباب، دفعت به لقتل مار شمعون، منها طموحه للتفاوض مع الحكومة الإيرانية عسى ولعله أن يحصل على الحقوق التي يطالب بها من خلال التفاوض، ومن جهة ثانية يبدو بأن سمكو قد خبأ في صدره ثأراً للذين قتلوا من الكُرد على يد الأرمن والآشوريين وبمساعدة الروس، وفي نفس الوقت خوفه على مستقبل المناطق الكُردية من مطامح الآشوريين في الجزء الشمالي من كُردستان، بعد حصولهم على كميات كبيرة من السلاح والعتاد، ويبدو واضحاً من خلال استقراء تلك الحقبة، بأن المشاعر الدينية كانت تلعب دوراً كبيراً في تهييج العواطف والتحالفات والمساومات . 

نهاية سمكو آغا : 

وأخيراً استطاع الإيرانيون أقناع إسماعيل آغا بالقدوم إلى " شنو " للمفاوضات، وهناك نصب له كمين وقتل في أيلول ١٩٣٠، وهكذا ، التاريخ يعيد نفسه، فقبل خمسة وعشرين عاماً من مقتل سمكو آغا، قتل جوهر آغا، شقيقه الأكبر، وأثناء المفاوضات، وقبل هذا وذاك ، بسنين طويلة، دعي إسماعيل خان الجد الأكبر لـ سمكو للمفاوضات، وقتل غدراً، وبعد تسعة وخمسين عاماً من مقتل سمكو آغا قتل الدكتور عبد الرحمن قاسملوا غيلة، وأيضاً أثناء المفاوضات مع الحكومة الإيرانية في النمسا ! وسيبقى السؤال المحير : كيف اقتنع سمكو بالذهاب إلى إيران، وللمفاوضات ؟ 

---------------------------------------
المراجع:
١- كوردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، الدكتور كمال مطهر أحمد .
٢- تيكه يشتني راستي، الدكتور كمال مظهر أحمد .
٣- شيخ محمودى قارمان، ده وله ته كه ى وخوارووي كوردستان، به ركي دووم، محمد رسول هاوار .
٤- في سبيل كوردستان، مذكرات زنار سلوبي، ترجمة ر . علي .
٥- القضية الكوردية، ماضي الكورد وحاضرهم، د . بلج شيركو .
٦- ـماموستاي كورد، زماره ٢٦ ، جه ند كورته باسيك له باره ى سمائيل ئاغاى ( سمكو )
وه ره ئووف ككلى .


عن اسماعيل آغا الشكاكي سمكو في الموسوعة الحرة ويكيبيديا باللغة الكردية


إن كانت لديك معلومات أكثر عن هذا \ه العظيم\ة الكردي \ة، أو عن عظيم \ـة كردي \ـة أخر أرجو أن تمدنا بها أو بمصادر أخرى على العنوان التالي  limatha83@gmail.com

عن الكاتب

Bername

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Mohon Aktifkan Javascript!Enable JavaScript

جميع الحقوق محفوظة

العظماء الكُرد