عروس كُردستان والشهيدة ليلى قاسم
ولدت الشهيدة ليلى قاسم في 27 من كانون الأول (ديسمبر) عام 1952 في ضواحي مدينة خانقين في مصفى الوند (بانميل) المنطقة النفطية تقع على ضفاف الوند لأسرة كُردية متواضعة وكانت لها ثلاثة أخوه عبد السلام - صباح - صبيح وأخت أسمها صبيحة. وكانت ليلى الطفلة الثانية في العائلة، وكان والدها عاملاً في مصفى نفط خانقين الذي ربى أبنائه بحب الوطن شأن كل الوطنيين الذين يعدون عشق الوطن والمبادئ والقيم مكسبهم ورأسمالهم في الحياة، نشأت ليلى و ترعرعت في أجواء الحب والعاطفة والحنان من قبل عائلتها وتربت على مبادئ حب الوطن والشعب، وقد تعززت إيمانها بهما .
دخلت ليلى المدرسة (ابتدائية مصفى الوند للبنات) وهي في سن السادسة من عمرها، و استمرت الدراسة في مدينة خانقين مسقط رأسها لحين انتهاء دراستها الثانوية في عام 1972 وفي مدرسة ثانوية خانقين للبنات. بعد أكمال دراستها تم قبولها في كلية الآداب (قسم علم الاجتماع)، جامعة بغداد، أصبحت ليلى إنسانة ناضجة وواعية وتميزت في شخصيتها واهتمامها بالجانب السياسي والاجتماعي والثقافي والتي أهلتها للدخول في صفوف اتحاد طلبة كُردستان، والعمل الحزبي لاحقا.
مع اشتداد الحملة ضد الكُرد من قبل نظام البعث والتطهير العرقي للقومية الكُردية في مدينة خانقين وتغيير هويتها القومية وانتقاما من أهلها الذين وقفوا ضد سياساته الشوفينية الرعناء (مدينة خانقين المعروفة بقدرتها الشابة على العطاء وثقافة أبناءها ومواردها الطبيعية الغنية بالنفط والمياه ناهيك عن موقعها الاستراتيجي المهم وعراقتها التاريخية)، ومع ازدياد وحشية وبطش نظام البعث رحلت الشهيدة ليلى قاسم مع عائلتها إلى بغداد في بداية السبعينات بعد أن نقل والدها إلى مصفى الدورة في العاصمة بغداد وتاركين ورائهم كل شيء حتى ذكرياتهم ثم أحيل والدها إلى التقاعد، فقررت العائلة البقاء في بغداد لمنعها ورجوعها من قبل النظام إلى مدينتها خانقين بسبب انتمائها القومية.
واصلت ليلى قاسم دراستها في جامعة بغداد وهي تحلم بتأمين حقوق القومية لشعبها المضطهد، وبدء مشوارها النضالي والسياسي بعد أن تعرفت إلى كوادر الحزب الديمقراطي الكُردستاني في الجامعة عبر أحد زملائها من مدينة خانقين، فكسبت عضوية الحزب بسرعة لنشاطها وكفاءتها وتفانيها الواضح وأصبحت من أنشط الوجوه الطلابية داخل الجامعة. كانت الشهيدة مجتهدة في دراستها ومتفوقة على زملائها في جميع مراحل دراستها كما تميزت أيضاً في وطنيتها وشعورها عالي نحو قوميتها. حيث جمعت بين نضالها من اجل حقوق الكُرد ، ونضال المرأة من أجل حقوقها وبين أكمال دراستها، وكانت ترى أن المرأة يمكن أن تكون نداً ورفيقاً للرجل وخاصة في ساحة النضال والسياسة .
لذلك اختارت ليلى قاسم طريق النضال الغير المعبد بالزهور، بعد انهيار اتفاقية 11 آذار في عام 1974 بين القيادة الكُردية والسلطة الحاكمة تركوا جميع رفاقها مدينة بغداد ورحلوا إلى مدن كُردستان وجبالها. إلا أن الشهيدة ليلى أبت اللحاق بهم واختارت البقاء في بغداد العاصمة لتواصل نضالها ضد النظام الدكتاتوري وحزبه الدموي في عقر دارهم وإصرارها على الصمود أمامه، و حاولت ليلى الاتصال بالعديد من رفاقها لإعادة تنظيمهم الحزبي من جديد وبعيداُ عن أعين الأجهزة الأمنية، للأسف الشديد لم تستطع تلك المجموعة من الشبان معها في الاستمرار لفترة طويلة في عملهم السياسي حيث حصلت اختراقات في تنظيمهم، مما أدى للكشف عنهم والإيقاع بهم .
ليلة القبض على الشهيدة ليلى قاسم:
بعد منتصف الليل اقتحم الدار التي تسكنها الشهيدة ليلى قاسم مع عائلتها من قبل الأجهزة الأمنية والحزبية للقبض عليها، بعد أن طوقت المنطقةبأكملها، حاملين مختلف الأسلحة ولكن لم تفقد ليلى شجاعتها ورباطة جأشها حيث قامت بإحراق وإتلاف الاستمارات الحزبية وكل ما يتعلق بأسرارهم من أسماء الأشخاص وعناوينهم حتى لا تقع تلك الأسرار بأيدي الأجهزة الأمنية، قبل أن يلقى القبض عليها واقتيادها إلى أقبية أمن بغداد وثم إلى الأمن العامة، لبست ليلى ما لديها من أجمل ملابسها وأدارت وجهها إلى والدتها وطلبت منها أن لا تحزن عليها ولا تلبس الملابس السوداء.
ليلى تقضي ساعاتها الأخيرة في الزنزانة الانفرادية :
بعد اعتقالها من قبل سلطات الأمن العراقية وضعت في زنزانة انفرادية ومنع عنها الزيارات، ومارسوا معها بوحشية كل أنواع التعذيب لانتزاع اعترافات منها ولكن صلابتها وعزيمتها وإصرارها على عدم الاعتراف ولم تنطق بكلمة واحدة تمس رفاقها، ورغم فقدانها عينها اليمنى إلا أنها ظلت صامتة أمام الأوغاد ولم يتمكنوا من كشف أي الخلية من الخلايا الحزبية التي تجتمع معهم أو بيت من البيوت التي كانت لها صلة بهم وعندئذ سألها احدهم: و الآن أيهما اعز عينيك أم كردستان ؟؟؟؟ لكنها وقفت شامخة وبثقة عالية بمبادئها و بنفسها وهي ترد عليه كردستان أغلى من عيوني وروحي، عندما عجزوا أولائك الأوغاد المجرمين ولم يستطيعوا رغم تعذيبها تعذيباً قاسياً كي يختطفوا منها اعترافا حول تنظيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني في بغداد ولكن عبث فقد بقيت صامدة فحكموا عليها بالإعدام.
وقبل يوم من إعدام ليلى سُمح لأهلها بزيارتها، فطلبت من أهلها أن يحضروا لها بسرعة ملابسها الكُردية كي تلبسها يوم إعدامها اعتزازاً منها بالملابس القومية. صعدت ليلى قاسم إلى حبل المنشقة بكل إباء وشجاعة ووقفت أمام جلاديها بإباء لتذهل وترعب معذبيها وقاتليها، و تهتف بأعلى صوتها باسم كُردستان وشعب وقيادة كُردستان وباسم الأب الروحي للشعب الكُردي الملا مصطفى البارزاني و تقدمت بشجاعة ومرفوعة الهامة كقمم كُردستان لتعتلي المنشقة. أعدمت ليلى قاسم وفارقت الحياة في 12 أيار ثم سلموا جثمانها إلى أهلها ومنعوا مراسيم العزاء، ودفنت في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الاشرف بعيداً عن ديار الأهل وموطن الطفولة ومناقب الذكريات المرة والحلوة التي عاشتها بين صديقاتها وعائلتها ومعارفها وأهل محلتها (الحارة أو الحي) في مدينة خانقين .
لا تزال أسرار عملية إلقاء القبض على ليلى قاسم وجماعاتها غامضة لحد هذه اللحظة، ولا يعرف بالضبط كيف رصدت عيون الأجهزة السلطة تلك المجموعة الصغيرة المختفية والتي كانت تعمل سراً، وأنا باعتقادي لو لا وشاية خائن لم تكتشف بهذه السهولة كما يقول احد المقربين منها.
إن كانت لديك معلومات أكثر عن هذا \ه العظيم\ة الكردي \ة، أو عن عظيم \ـة كردي \ـة أخر أرجو أن تمدنا بها أو بمصادر أخرى على العنوان التالي limatha83@gmail.com